وزارة التربية ليست حقل تجارب
في أقل من ثلاثة أعوام تعاقب على وزارة التربية والتعليم خمسة وزراء، بعد أن غادرها الوزير العابر للحكومات الدكتور خالد طوقان، الذي استقر فيها لأكثر من سبعة أعوام متواصلة. وجميع هؤلاء الوزراء الخمسة من خارج وزارة التربية والتعليم، هبطوا عليها بالبراشوت، وكأن وزارة فيها أكثر من مائة ألف خبرة وكفاءة، بالإضافة إلى عشرات الألوف من المتقاعدين تعجز أن تفرز وزيراً يدير شؤونها. فالوزير النعيمي هبط في مطار الوزارة أميناً عاماً ثم استلم الوزارة بعد رحيل الدكتور طوقان، ثم الطبيب الدكتور وليد المعاني، فالأكاديمي الدكتور إبراهيم بدران، واستلمها أيضاً الأكاديمي الدكتور خالد الكركي قبل أن تعود ثانية إلى الدكتور تيسير النعيمي ذي الخلفية الأكاديمية أيضاً.
لا اعتراض على تسلم أية شخصية قديرة لوزارة التربية والتعليم، ولكن وزارة بحجم وزارة التربية تدير شؤون ما يقارب مليوني أردني بين طالب ومعلم وإداري، تحتاج إلى شخصيات مؤهلة، خدمت في جميع المستويات التربوية، لتكون على خبرة ودراية بمشاكل واحتياجات الوزارة، وما تتطلبه مسؤولية بهذا الحجم الضخم الذي يزيد عن جميع الوزارات الأخرى مجتمعة.
إن أي وزير يتولى مسؤولية وزارة التربية لن يستطيع أن يستوعب عملها إلا بعد ستة شهور على الأقل، إن كانت الطرق سالكة، والنوايا صادقة، والجهود متكاتفة، والأعوان متعاونين. ولكن من خلال التجربة نستطيع أن نلمس أن البعض خرج كما دخل؛ لاعتماده على بطانة حجبت عنه الحقيقة أو بعضها، ولم يستطع أن يتعرف خفايا وزارته مترامية الأطراف، ومشاكل مدارسها الممتدة في أربعة أرجاء الوطن؛ لأنه اعتمد على الغير، ولم يبذل جهداً في أن يبادر ويتجول ويتقصى ويتعسس أخبار المدارس والمديريات، وإلا ما معنى أن تبقى بعض المدارس كما هي دون تغيير رغم بؤسها الشديد، بل زاد الطين بلة مع تبدل الوزراء ومئات المسؤولين.
ومما يؤسف له، وفي غياب العمل المؤسسي المستقر والمتواصل، فإن كل وزير يحاول أن يطبق رؤيته ونظرته الخاصة على الوزارة، وأن يطبعها بطابعه الخاص، ناسفاً جهود من سبقوه، أو مقللاً من شأنها، أو على الأقل ركنها جانباً ووضعها في درجة متأخرة من الأولوية. فالدكتور طوقان مثلاً ركز معظم جهوده على نشر أجهزة الحاسوب في المدارس والإدارات وتنفيذ المرحلة الأولى من الاقتصاد المعرفي، متجاهلاً البنية التحتية المتردية لكثير من المدارس في مفارقة عجيبة ومدهشة في أن يجد الطالب حاسوباً يعمل عليه، لكنه لا يجد مقعداً يجلس عليه، أو باباً يغلق باب صفه يقيه من برد الشتاء. وهذه الأولوية تأخرت عند استلام الدكتور النعيمي وركز على بعض الأفكار والمشاريع التي لم تكتمل، ثم جاء الدكتور المعاني الذي صب جام جهده على التقاعدات وخاصة للإداريين وابتعد عن المعلمين للحاجة إليهم، متناسياً أن من سيتقاعد من الإداريين لا بد أن يحل محله معلم بشكل أو بآخر، وخطط لمؤتمر وطني لبحث موضوع امتحان الثانوية العامة، فلما جاء الدكتور بدران جمد المؤتمر، ووقعت صاعقة التوجيهي، ثم ورطته مع المعلمين التي شلت تفكيره، وعطلت جهوده. ولما استلم الوزارة الدكتور الكركي استوعب الوضع بأسلوبه وشخصيته، ولم يحدث امراً ذي شأن، ثم عاد إلى الوزارة الدكتور النعيمي في جولة ثانية علها تكون منتجة وفاعلة.
إن وزارة التربية والتعليم وزارة خدمية ضخمة تستثمر بالإنسان، عدة المستقبل وأمل الأمة، ولذا فالمطلوب أن يحرص كل رئيس حكومة أن يوليها الأكثر كفاءة، والأفضل خبرة، القوي الأمين المخلص، الذي له القدرة على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح، ولا تأخذه في الحق لومة لائم، وأن يهتم بجميع مكونات العملية التربوية ابتداءً بالبنية التحتية والبيئة الصفية، ومروراً بالمعلم ورفع شأنه ومكانته وتحقيق مطالبه وعلى رأسها نقابته المنشودة، وعدم نسيان صناعة مديرين مدربين مؤهلين، وتعيين الأكفأ والأقدر والأنسب في المواقع القيادية المختلفة ابتداءً من رئيس القسم حتى مدير الإدارة، أما الأمناء العامون فقد أحسن الدكتور بدران عندما عين ثلاثتهم من كادر الوزارة في خطوة تحسب له، في حين كان من قبله يستقطبهم من خارج الوزارة ظناً منه أن رحم التربية عقيم، ولا يمكن أن تنجب أميناً عاماً.
إن وزارة التربية والتعليم وزارة يفترض أن تنعم بالاستقرار، وأن يترك للوزير تنفيذ برامجه ومشاريعه المبنية على دراسات وحاجات وأولويات تأخذ صفة العمل الجماعي المبرمج مع ضرورة المتابعة والمراقبة من الجميع، وأن يحاسب إن أخطأ، ويثاب ويشكر إن أحسن وأجاد، أما أن تكون الوزارة حقلاً للتجارب، ومختبراً للأفكار، وركناً للشخصنة والأهواء، وميداناً للصرع والمنافسة وتصفية الحسابات، فهذه كارثة يجب أن تتوقف، ومعضلة يجب أن تحل، لأنها مقامرة بالجيل وعبث بالمستقبل.
mosa2x@yahoo.com