كيري وجولاته تحرك الشارع الاردني

أخبار البلد - 
 

شهدت ساحات الحراك السياسي الاردني مؤخراً، لوناً جديداً من الوان الحراك الاحتجاجي بالتزامن مع زيارات وزير الخارجيّة الامريكي جون كيري إلى المنطقة، ومشاريعه الهادفة الى تصفية القضيّة الفلسطينيّة وتوريط الأردن على حدّ سواء.

أولى أشكال هذا الاحتجاج السياسي الجديد بادر إليها حزب الوحدة الشعبيّة، الذي نظّم تظاهرة غاضبة امام المسجد الحسيني بعمان يوم الجمعة الماضي تحت شعار: 'لا لمشروع كيري ، لا لتصفية القضية الفلسطينية'.

وقد ارتبطت هتافات المتظاهرين في تلك المسيرة بالشعار الذي رفعه شعبنا في فلسطين في مواجهة مشروع برافر، معلنين أن 'مشروع كيري لن يمرّ'، فيما صدحت حناجرهم بمختلف الهتافات المندّدة بمشروع 'الوطن البديل'.

وأكّد نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبيّة د. عصام الخواجا أن خطة كيري 'تلغي حق العودة وتسعى لتكريس التوطين'، منوّهاً بأن هذه الخطّة تتضمن اصراراً أمريكياً صهيونياً على 'يهودية دولة اسرائيل'.

المراقبون ربطوا بين مبادرة حزب الوحدة الشعبيّة لاستئناف الحراك السياسي تحت شعار عروبي، وليس محلياً، بتطوّرات الأزمة السوريّة وبدء مؤتمر جنيف 2، حيث تصرّ الأحزاب القوميّة واليساريّة الأردنيّة على توجيه رسالة واضحة لواشنطن.

عمان لم تكن وحدها التي أعلنت رفضها لمخطّطات العم سام، فقد نظّمت الحركة الإسلاميّة تظاهرة في ذات الجمعة، وتحت ذات الشعار في مدينة إربد، فيما انطلقت في مدينة الطفيلة أيضاً مسيرة حاشدة تندّد بالسياسات الأمريكيّة- الصهيونيّة التصفويّة.

الفرق بين مسيرة العاصمة والمسيرتين الأخريين اللتين قادهما الإسلاميّون في شمال وجنوب البلاد، يتمثّل في قيام الحركة الإسلاميّة بالربط في هتافاتها وكلماتها بين خطّة كيري وبين مطالب الإصلاح الداخلي، في إشارة واضحة إلى أن الحركة تسعى لاهتبال التطوّرات الإقليميّة من أجل استئناف الحراك السياسي تحت ذات الشعار الذي رفعته على مدى السنوات الثلاث الماضية: 'إصلاح النظام'.

وقد شكّل مطلب اجتثاث الفساد أبرز ما نادى به المتظاهرون في إربد والطفيلة، غير أن الحركة الإسلاميّة أبت إلا أن تعلن موقفها فيما يتعلّق بالأزمة السوريّة بشكل واضح ومباشر.

حالة الطلاق التي أعلنت ضمنيّا بين الحركة الإسلاميّة وسائر الأحزاب التقدميّة الأردنيّة نتيجة تباين الموقف ممّا يدور في سوريّة، تجعل عودة الحراك الشعبي الشامل الذي قادته النخب الحزبيّة منذ العام 2011 مسألة عصيّة على التحقيق، أضف إلى ذلك أن الأحزاب السياسيّة مازالت تتبّع ذات الأسلوب في تنظيم الفعاليّات المناسباتيّة، التي تشبه إلى حدّ كبير 'الفزعة'.

ورغم هذا، مازال الإسلاميّون يأملون في توظيف الملفّ الفلسطيني من أجل العودة إلى الشارع ومحاولة قيادته لتحقيق أهداف الحركة وتحسين شروطها التفاوضيّة مع السلطة السياسيّة، الأمر الذي أشار إليه الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي بشكل غير مباشر في أحد اللقاءات التي عقدها في مقرّ الحزب.

الغريب أن المشهد لم يتغيّر منذ بدء الاحتجاجات الشعبيّة التي شهدها الأردن منذ العام 2006، عندما انطلق الحراك العمّالي تحت عناوين مطلبيّة، قبل أن تندلع الثورة في تونس، وتهيمن القوى الحزبيّة المنظّمة على الشارع، دون أن تتمكّن من الربط بين النضال المطلبي والنضال السياسي، والارتقاء بالحراك الشعبي إلى برنامج ومشروع محدّد.

واليوم مازالت الحركة العمّاليّة تطرح مطالبها بعيداً عن شعارات 'تعديل قانون الانتخاب' وبعيداً عن الاعتبارات والتطوّرات الإقليميّة، فيما تعود الأحزاب السياسيّة إلى تبنّي القضايا القوميّة دون التمكّن من الربط بين الحراك المجتمعي ونظيره النخبوي، وذلك في ظلّ انقسام حادّ بين الأحزاب السياسيّة نتيجة انعكاسات الأزمة السوريّة التي ألقت بظلالها على المجتمع الأردني لتصيبه -إلى حدّ ما- بما يمكن تسميته بـ 'فوبيا التغيير'.

النتيجة الطبيعيّة للمقدّمات التي يرسمها هذا المشهد، هي استمرار محاولة الأحزاب السياسيّة العودة إلى المشهد الإعلامي عبر تبنّي وطرح القضايا القوميّة الكبرى، في مشهد تضامني مؤثر، لكنّه قاصر عن التحوّل إلى حالة جماهيريّة حقيقيّة قادرة على فرض الإرادة الشعبيّة على صنّاع القرار الرسمي.

هذا ما كان الأمر عليه خلال الحرب الصهيونيّة على غزّة، عندما هيمنت على شوارع عمّان تظاهرات كبيرة، ما لبثت أن انطفأت جذوتها حتّى قبل انتهاء ذلك العدوان.