كيف تجنب الأردن كوارث الربيع العربي وحافظ على أمنه واستقراره؟
أخبار البلد
استطاع ملك الأردن عبدالله الثاني من خلال الاعتدال والعقلانية أن يقود السفينة الأردنية إلى شاطئ الأمان، أثناء مرحلة حرجة في تاريخ المنطقة اتسمت بالزلازل والعواصف السياسية التي أطاحت بأنظمة سياسية في البلدان العربية المجاورة.
لقد استطاع الأردن، وبقيادة عبدالله الثاني، أن يعبر بحر الربيع العربي الهائج في الأعوام الثلاثة الماضية بسلام، وأن يحقق إنجازات كبيرة على صعيد الإصلاحات الشاملة، وبخاصة الإصلاح السياسي، وأن يجسد نموذجاً في الديمقراطية يقوم على الدراسة الهادئة والتشاور، ويرفض نهج حرق المراحل، استجابة للضغوط الداخلية والخارجية أو المزايدات من أطراف لا تؤمن بالديمقراطية والرأي الآخر.
ولا بد من القول أنه بحكمة وشجاعة وثقابة رؤيته، استطاع عبدالله الثاني أن يحمي الأردن وينأى به عن النكبات والويلات التي حلت بالمنطقة، حيث أمسك بزمام المبادرة للمزيد من الإصلاحات معتبرا الربيع العربي فرصة تاريخية للسير قدما من أجل تحقيق الإصلاح الشامل.
استطاع الأردن تجنب التصدعات والمواجهات العنيفة حيث تمسك بمبادئ الحوار واحترام حقوق الإنسان والتشاور. ويجب أن أقول هنا أنه سألني بريطاني في أحد الحفلات، قبل أواخر العام الماضي، عقدها مركز دراسات دفاعية وإستراتيجية في لندن لماذا لا نسمع أخبار الربيع العربي في الأردن؟ فقلت باختصار شديد:
«تعاملت الدولة مع موجة الاحتجاجات والمسيرات والاعتصامات برباطة جأش وتسامح، ولم تلجأ للسلاح كما حدث في دول عربية أخرى. سواء كان هناك ربيع عربي أم لم يكن، بقي النموذج الأردني كما عهدناه صلبا في حماية حق التعبير والرأي، ومضت مئات المظاهرات والمسيرات والاعتصامات والفعاليات في هذا الاتجاه، ولكن دون إراقة قطرة دم واحدة. ورغم الاستفزازات، لم يلجأ الأردن للحلول الأمنية القمعية التي تشهدها الدول العربية الأخرى.» هز البريطاني رأسه مرددا كلمتين وهما: very wise, very wise. أي أن هذا هو فعلا العقل والحكمة.
تنبؤات خاطئة
من قبل المتربصين:
عندما اندلع الربيع العربي عام 2011، تنبأ بعض المعلقين والمحللين بأن الأردن سوف لا ينجو من هذا التسونامي، حيث قال معلق عربي معروف بتأييده للحركات الإسلامية على احد الفضائيات بعد سقوط نظام حسني مبارك في مصر، بأن الأردن سيكون مرشحا للسقوط وأجبت على ذلك في مقال مفاده أن هذا التنبؤ خاطئ، ومتسرع وأن المتنبي رغم شهرته لا يعرف الأردن جيدا. بعد 3 أعوام، لا يزال الأردن صامدا ويبقى واحة من الاستقرار والعقلانية في منطقة ملتهبة.
مما لا شك فيه أن سقوط حكومة الإخوان المسلمين الفاشلة في مصر والفوضى في ليبيا وتونس ومذابح النظام السوري ضد الشعب الثائر، كل هذه مجتمعة، غيرت الديناميكية في الساحة الأردنية حيث أن الغالبية الساحقة تثمن وتقدر أهمية السلم والأمن الوطني في ظل حكم هاشمي واقعي وبراغماتي وإصلاحي التوجه. ملك الأردن يؤمن بالإصلاح التدريجي والدفاع عن حقوق الإنسان، ومثال على ذلك، دعمه للمركز الوطني لحقوق الإنسان، وإطلاقه قبل أسابيع ميثاق منظومة النزاهة الوطنية وخطته التنفيذية.
الغالبية العظمى من الشعب الأردني اختارت الالتفاف حول قيادة هاشمية واعية وإصلاحية ورفضت أجندات الإخوان المسلمين الفاشلة والتي فشلت في مصر وغزة. الأردن لا يحتاج لأجندة طالبانية، بل لبرامج إصلاحية عصرية اقتصادية وسياسية.
لا يحتاج المرء أن يكون عبقريا ليكتشف أن الأردن رغم مشاكله الاقتصادية هو بحالة أفضل بآلاف المرات من بلدان الفشل العربي، في العراق وسوريا والسودان، وأفضل بكثير من تونس وليبيا ومصر. نعم الإصلاح مطلوب وتم اتخاذ خطوات حقيقية والمزيد على الطريق. فخلال العامين الماضيين، طرح ملك الأردن أوراق نقاشية على شكل مقالات تشكل تعزيزاً واضحاً لثقافة الحوار وأساسها التركيز على الديمقراطية التي شكلت عاملاً مشتركاً بين كل هذه الأوراق من خلال عناوينها الرئيسة.
الإصلاحات هي
عنوان المرحلة المقبلة:
الإصلاحات الاقتصادية تهدف لتنشيط القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الخارجية وتحقيق نمو اقتصادي، وهذا بدوره سيؤدي إلى نمو اقتصادي وتقليص البطالة. نسبة البطالة في الأردن تزيد عن 12 بالمائة، ولكن علينا أن نتذكر أن هناك نصف مليون عامل وافد، مما يعني أن الوظائف موجودة ولكن لأسباب اجتماعية وتقاليد موروثة، يرفض الأردنيون تعبئة هذه الوظائف.
وفي مقابلة هامة مع جريدة الشرق الأوسط الدولية في حزيران 2013، تحدث الملك عن الإصلاح بإسهاب، وأكد إصراره على المضي في المسيرة الإصلاحية، والتي ستقود في النهاية إلى حكومة برلمانية، وشدد أن الخطوة التالية ستكون بناء أحزاب سياسية حقيقية.
ولا يمكن تجاهل العوامل الإقليمية التي تعرقل المسيرة الإصلاحية، مثل الأزمة السورية وتعثر العملية السلمية، مؤكدا أن إيجاد حل عادل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين هو مصلحة أردنية عليا.
الأردن لا يحتاج لحلول أمنية ولبراميل متفجرة وشبيحة ومجازر لكي يحقق الإصلاح والتغيير. بقيادته الحكيمة وشعبه، سوف يحقق الأردن الإصلاح والتغيير من أجل مستقبل أفضل في ظل نظام إنساني وعقلاني واعٍ.