نسمع جعجعةً ولا نرى طحناً



بالأمس قام أمين عام الديوان الملكي يوسف العيسوي بزيارة الى قضاء وادي عربه رافقه فيها رئيس سلطة منطقة العقبة الخاصة معالي الدكتور كامل المحادين ومحافظها ومسؤولين آخرين والتقى العيسوي بالمواطنين ليسمع منهم مطالبهم , ولأني ومنذ أربعين عاما وأنا أرى المسؤولين يأتون ويُدوِنون ويَذهبون وما رأيت منذ ذلك الوقت شيئا جديداً, فكلهم يأتي ومعه دفتر يُسجل فيه بنفسه إن كان متواضعاً أو يأتي معه أحدٌ آخر يُسجل له ملاحظاته بإيمائةٍ من رأس هذا المسؤول ..
مُنذ ذلك الوقت وأهل وادي عربة يُعانون وينتقلون من فقرٍ الى فقرٍ أعظم ومن حرمانٍ إلى حرمانٍ أشد ومن سيءٍ الى أسوأ.
أهل وادي عربة لا يريدون زيارات ولا جولات تفقديه ولا إبتسامات من مسؤول لم تلوح الشمس وجهه بل يريدون أن يشعروا أنهم من أبناء هذا الوطن وأن إهتمام حكومتهم بهم ليس كرحلة الشتاء والصيف وليس منةٍ من أحدٍ عليهم.
وادي عربة والذي يُعد من أفقر مناطق الاردن ومن جيوب الفقر المستمرة في الاردن وفقا لآخر إحصائية منشورة عن دائرة الاحصاءات العامة الاردنية عن مستوى الفقر في الاردن حيث بلغت نسبة سكانه الذين يرزحون تحت خط الفقر 71.5% من مجموع السكان وهذه نسبةٌ مهولةٌ وكبيرةٌ بحاجة الى وقوف كل المسؤولين في الدولة لمعرفة أسبابها والوقوف عند إنعكاساتها الخطيرة على الإنسان والوطن في منطقة وادي عربه .
إذا كانت حكوماتنا لا تقرأ ما يصدرُ عن دوائرها من إحصائيات مفجعه ولا تُتابع ما يصدر عن حكامها الاداريين من تقارير تنموية سنوية تبين مواقع الخلل واحتياجات وهموم المواطنين فما هي فائدة الزيارات الميدانية التي زادتنا بؤساً وشقاءً وعقوقاً وحرماناً وقهراًوتهميشاً يوماً بعد يوم.
هل زيارة العيسوي لوادي عربه هي للتنفيس عمَّا أقحمت الحكومةُ نفسها فيه من تخبطها في قراراتها الهوجاء التي بدرت منها وزيادة حرمان شعبها وإغفالها المستمرلهم , وهي التي أوكل لها جلالة الملك إدارة شؤون الدولة بأمانه وأقسم أعضائها على ذلك أغلظ الايمان. أم هو إشعار آخر لنا في وادي عربة أن الدولة قريبة منا رغم حرماننا من أبسط حقوقنا التي كفلها لنا دستور دولتنا من تعليم ورعاية صحية وخدمات مختلفة تقدم لكل أردني على إمتداد رقعة الوطن. ولا أدري لِمَ يضطرُ الديوانُ للقيام بوظيفة الحكومة لولا أنه رأى منها تقهقراً في خدمتها للوطن وأهله . ولا ندري هل يجب على الحكومة للقيام بواجبها تجاه أهلها وأبنائها أن يتدخل جلالة الملك ويأمرها لتتجه لمعالجة جيوب الفقر.

نحن أهل وادي عربه لا نريد زيارات ولا مؤتمرات ولا ورشات بل نريد خططاً واضحةً للعملِ والتشاورِ ..وكُنا نأمل من العيسوي أن يأتي وفي جعبته أفكار واقعية وخطط منطقية للنهوض بوادي عربة وقاطنيه بدلاً من تكرار نسخة فجة من زيارات الحكومات المتعاقبة التي لم تسمن ولم تغن من جوع .وكنا نريد أن نسمع منه ما هو الجديد عنده بدلا من أن نعيد على أسماعه ما قلناه الف مرة ,عوضاً عن قيامه باستلام أوراقٍ ومطالبٍ وصلت سابقاً الى الحكومةِ كُلها , وكان الاولى أن يطلبها من الحكومه ويقرأها ويناقشها مع أصحاب العلاقة قبل حضوره الينا ليسمع منا ما الذي نريده ونتطلع إليه وأقصد بذلك موضوع ضم منطقة وادي عربه الى سلطة منطقة العقبة الخاصة والذي لا تزال الحكومة تشاور نفسها بالاستمرار فيه دون حصول الاهالي على كل ما يضمن لهم الحياة الكريمة في مناطقهم.

إذا كانت الحكومة جادة في توجهها حول تنمية منطقة وادي عربه فان المقترح الواجب تطبيقه هو أن تجعل منه إقليما وتسميه إقليم وادي عربه وتضع له خطط تنموية حقيقية بالاشتراك مع المختصين والأهالي أصحاب الشأن وما عدا هذا فإنما هو ضرب في الميت والضرب في الميت حرام.
وأخيراً كفاكم استهتاراً بأهل وادي عربه فقد سئموا طريقة معالجتكم لقضاياهم واستهتاركم بحقوقهم ويجب ان تفهموا ان ما تقومون به من زياراتٍ ما هو إلا استفزاز للناس وامعانا في الاستهزاء بهم فقد أضحت هذه الزيارات عادةٌ لا يستفيد منها أحد , إلا من اراد قضاء نهاية الاسبوع على شواطيء العقبة جاعلاً من يومه الأخير برنامجاً لزيارة وادي عربة .