إلى اللقاء في.. «جنيف3»

يبدو عنوان العجالة هذه غريباً أو حُكماً مسبقاً على النسخة الثانية من جنيف1, التي ما تزال تستقطب الاضواء – حتى اللحظة – وبخاصة بعد أن نجح الدبلوماسي الجزائري الهادئ وصاحب النَفَس الطويل – على ما يُظهِره من رصانة وكياسة وصبر – في جمع الوفد السوري الرسمي مع إئتلاف الجربا في غرفة واحدة, وكان مجرد عقد الاجتماع المباشر الذي تم وجهاً لوجه بين «الطرفين», سيبدو اختراقاً حقيقياً, في ما لو كان وفد الجربا الذي تم اختزال «المعارضات» السورية فيه, فعلاً ممثلاً حقيقياً لاطياف المعارضة السورية, في الداخل والخارج على حد سواء, ولم يتم استبعاد شرائح وتكوينات حزبية سياسية ذات تمثيل وازن في المشهد السوري, قبل اندلاع الأزمة السورية وخصوصاً بعد «اختراع» الجربا وإئتلافه, لكن الراعي الاميركي والجهات المُموّلة (وهي هنا عربية), رأوا أن الجربا ومجموعته التي لا تمثل حتى نصف اعضاء الائتلاف, ستكون أكثرخضوعاً لرغباتهم والمنفذ الامين (اقرأ الأداة) لمخططهم, وهو بالتالي سيكون «الصاعق» الذي سيفجرون فيه جنيف2, متى ارادوا وفي التوقيت الذي سيختارونه.

فهل نحن أمام انهيار أو فشل أو تأجيل أو تعليق, لما يجري (الان) في المقر الاوروبي للأمم المتحدة في جنيف؟
من غير المغامرة القول نعم, لكل تلك الخيارات التي جاءت في السؤال, والتفسير محمول أو متعلّق بالزاوية التي ينظر منها المرء, الى المشهد المأزوم الجاري خلف الابواب المغلقة, والذي يبدو فيه إئتلاف الجربا وكأنه في عجلة من امره أو انه سمع من التطمينات(...) والوعود ما يكفي, كي يعيد هو شخصياً, كما باقي المجموعة المُفاوضة التي تم انتقاؤها «بالفرّازة» الاميركية, عندما يقولون ان الهدف من عملية التفاوض هو الشأن السياسي (...) والتوصل الى اتفاق حول تطبيق جنيف 1 (أي نقل السلطة اليهم من قِبل النظام القائم, الذي عليه فقط تسليم صلاحياته) بل يصل الأمر بهؤلاء السُذّج, حدود الرفض القاطع لأي بحث في شأن الاتفاق على خطوات لارسال مساعدات انسانية الى المناطق المنكوبة ويقولون في «لا انسانية» موصوفة: أن «ذلك» هو من «مسؤولية» المجتمع الدولي الذي عليه (واجب) الضغط على النظام السوري من اجل «إجباره» على رفع الحصار عن المناطق المحاصرة وإدخال المساعدات العاجلة.
كل شيء إذاً في يد المجتمع الدولي ووفق ارادته، هكذا سلّم ائتلاف الجربا الملف السوري كاملاً الى المجتمع الدولي (اقرأ الاميركي والسفير روبرت فورد تحديداً) وهو صاحب القرار الاخير في اي خطوة يُطلب الى الجربا ومجموعته ان يخطوها (نحو اي اتجاه بالطبع).
سيكتشف الاميركيون (وبعض العرب حتى لا ينسى احد) حجم الخطأ بل الخطيئة التي ارتكبوها، عندما أصرّوا (وكان لهم ما ارادوا.. من أسف) أن يجلس الجربا على رأس مجموعة, لا رصيد لها على الارض السورية ولا حضور ولا احترام (بدليل كل هذا الرفض لها, سواء من معارضة الداخل السلمية ام تلك الحركات والفصائل والميليشيات التي تحمل السلاح)، فضلاً عمّا يمكن لهذا التوكيل الحصري والخاص - للجربا ومجموعته - ان يعود بالضرر بل هو حكم مسبق بالفشل, لكل المساعي التي بُذلت حتى الان في هذا الاتجاه، اللهّم إلاّ إذا كان ذلك هو الهدف غير المُعلن الذي تستبطنه الدوائر ذاتها للمضي قدماً في تنفيذه الخطة B التالية، بعد ان تكون قد غسلت ايديها من تهمة عرقلة انعقاد جنيف2، وهو الامر الذي ظهر - في بعض تجلياته باصرار «الجوقة اياها» على «ضرورة» تنفيذ جنيف1 والذي يختزلونه في بند واحد, وهو عدم وجود اي دور للرئيس السوري في مستقبل سوريا على ما قاله في خِفّة وأداء فلكلوري بائس, احمد الجربا ذاته «.. بات الاسد صورة من الماضي، ينتمي الى زمن الابيض والاسود، وقد (حصلنا) على ضمانات دولية بانه لن يكون هناك اي دور للرئيس السوري في مستقبل سوريا، ولهذا - استطرد لا فض فوه - حضرنا الى جنيف2».
أي أن الرجل الذي لم تنقصه سوى البزّة العسكرية وعصا الماريشالية كي يضفي على خطابه الجدّية والصرامة المطلوبة، كان يُفضّل ان يبقى في الخنادق ويجول على الجبهات ويرسم الخطة العسكرية الحاسمة و»الاخيرة» لاقتحام دمشق واسقاط نظامها وسوق «العصابة» الى ساحة الاعدام.
الذي سيُسقط الجربا ومجموعته التي اختطفت تمثيل «المعارضات» السورية خصوصا الوطنية والديمقراطية, هي هذه «المعارضات» التي ستتداعى قريبا الى مؤتمر لتحديد جدول اعمالها الجديد, بعد ان اكتشفت حجم الخديعة (اقرأ المؤامرة) التي يُراد من ورائها إبقاء الحريق المشتعل في سوريا واخراجها من الجغرافيا والتاريخ, وإلقاء شعبها في اتون التيه والهجرة والجوع.