حقائــق راسخـة


في محاضرة للسيد عزام الأحمد استضافها أحد المراكز الإعلامية في عمان، انصبت تعليقات المستمعين على نقد المفاوضات العبثية، وضرورة وقفها، لأنها باختصار فاشلة، لم تحقق النتائج المطلوبة باستعادة شعبنا العربي الفلسطيني حقوقه الكاملة غير المنقوصة، أو على الأقل جزء منها، وكانت مشاركتي تقوم على ما يلي:
أولاً: لقد فشلت التجارب التفاوضية مع العدو الإسرائيلي برعاية كلينتون في كامب ديفيد 2000، وأنابوليس في عهد بوش 2008، والتقريبية في عهد أوباما، والاستكشافية برعاية أردنية في عمان 2012، وتعثر المفاوضات الحالية التي ينشط بها جون كيري لسببين: أولهما تصلب الموقف الإسرائيلي، وثانيهما تمسك الموقف الفلسطيني بحقوق شعبه، ولذلك، طالما أن الإسرائيليين متصلبون ومتطرفون، فأنا أقترح على الأخ عزام نقل اقتراحنا للقيادة الفلسطينية بإبداء المرونة، والتساهل مع الإسرائيليين طالما أنهم أولاد عمنا وجيراننا في القضايا العالقة، وأولاها الاعتراف بيهودية الدولة، وثانيها عدم عودة اللاجئين، وثالثها عدم التمسك بالقدس عاصمة للدولة المستقلة، ورابعها عدم التمسك بالسيادة وقبول إسرائيليين على أرض الدولة الفلسطينية، وبذلك نشطب كلمة فشل المفاوضات، ونتحدث عن نجاح المفاوضات واستتباب السلام والطمأنينة وحسن الجوار، لأن المفاوض الفلسطيني طالما بقي متمسكاً بحقوق شعبه وبحدها الأدنى لن تنجح المفاوضات وستبقى نتائجها فاشلة، فالفشل يعود إلى تمسك منظمة التحرير بحقوق شعبها الفلسطيني ولو تراخت وتنازلت لتم نجاح المفاوضات!!.
ومع ذلك وفي ظل هذه المفاوضات وفشلها، حققت منظمة التحرير مجموعة من الإنجازات العملية:
أولاً: الانتصار في الحصول على عضوية اليونسكو بـ 107 أصوات يوم 30/10/2011، وهزيمة إسرائيل ومن معها ومن يؤيدها.
ثانياً: الانتصار بالحصول عضوية الدولة المراقب لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29/11/2012 بـ 138 صوتاً مقابل 9 أصوات فقط حصلت عليها إسرائيل ومن معها.
ثالثاً: الموقف الأوروبي المفتوح على التقدم والتطور باتجاه مقاطعة الاستيطان والمستوطنين، وهذا كله لم يتم إلا بفعل عاملين اثنين متلازمين، أولهما: حكمة القيادة الفلسطينية في التعامل مع الوقائع والمستجدات وسير الأحداث، وثانيهما: عدالة المطالب الفلسطينية وواقعيتها.
المفاوضات، وسيلة، وليست غاية، وهي وسيلة مثلها مثل العمليات الاستشهادية والكفاح المسلح والانتفاضة المدنية، يتم التعامل معها وتوظيفها والاعتماد عليها طالما أنها تحقق نتائج ولا تدمر حقوق الشعب العربي الفلسطيني ولا تلغيها أو تمس بمضمونها، ومن يطالب بإلغائها كوسيلة وكعنوان للعمل بسبب الفشل، عليه أيضاً أن يطالب بوقف النضال الفلسطيني برمته لأنه فشل في تحرير فلسطين، فهل نتوقف عن النضال؟؟ أم نلغي تحرير فلسطين باعتباره هدفاً صعب المنال لم يتحقق بعد خمسين سنة من عمر الثورة الفلسطينية؟؟.
لقد انتهت دولة الخلافة الإسلامية، وانهارت الدولة الأموية، وتبعتها الدولة العباسية وهزمت الخلافة الإسلامية التركية فهل نلغي الإسلام؟؟ وتم هزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي أمام المعسكر الأميركي في الحرب الباردة، فهل نتحول إلى الرأسمالية المتفوقة؟؟ وأخفق رموز التيار القومي الثلاثة عبد الناصر وحافظ الأسد وصدام حسين، رغم تضحياتهم في مواجهة الاستعمار وإسرائيل والرجعية، فهل نتراجع عن قناعاتنا القومية في وحدة العرب وحريتهم؟؟.
صحيح أن موازين القوى لصالح عدونا الذي يحتل كامل أرضنا، ونهب حقوقنا، واعتدى على كرامتنا، ولا يزال، ولكن ثمة حقائق ملموسة مادية يجب أن ننطلق منها لوضع خريطة العمل لتحقيق ثلاثة شروط للانتصار، أولها برنامج وطني موحد، وثانيها مؤسسة تمثيلية موحدة، وثالثها أدوات كفاحية متفق عليها، والحقائق هي:
أولاً: أن الكتلة الأكبر من الشعب العربي الفلسطيني ما زالت تقيم على أرض فلسطين التاريخية، سواء في مناطق 48 أو مناطق 67 تتجاوز الخمسة ملايين ونصف المليون نسمة.
ثانياً: عدالة مطالب شعبنا الفلسطيني وحقوقه المجسدة بقرارات الأمم المتحدة، وهي جميعها منصفة لصالحه بدءاً من قرار التقسيم 181 مروراً بقرار عودة اللاجئين واستعادة ممتلكاتهم 194، وقرار الانسحاب وعدم الضم 242، وقرار حل الدولتين 1397، وخارطة الطريق 1515، ولذلك يجب أن تكون قرارات الأمم المتحدة هي عنوان قضيتنا ومطلبها.
ثالثاً: لقد فشل المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي في تحقيق كامل هدفه في احتلال فلسطين وطرد كامل شعبها، فها هو نصف الشعب العربي الفلسطيني على كامل أرض وطنه، وعدده لا يقل عن عدد اليهود الإسرائيليين على كامل أرض فلسطين.
رابعاً: منظمة التحرير ممثلة الشعب الفلسطيني، وهي بمثابة جبهة وطنية موحدة تمثل الشعب والقضية والحقوق، ومعترف بها بهذا المضمون وبهذا الشكل، رغم وجود انقسامات أو تجاوزات، ومثلما هي حقيقة مادية ملموسة، فحقيقتها انعكاس للواقع التعددي الذي يميز الشعب الفلسطيني، فالتعددية صفة أصيلة في مفاصله، تتمثل بالفصائل من فتح حتى حماس ومن اليساريين والقوميين حتى الجهاد الإسلامي، وهذه ميزة قوة للشعب الفلسطيني إذا تم الحفاظ عليها على قاعدة التعددية والوحدة، في إطار البرنامج الموحد، والمؤسسة التمثيلية الموحدة، واختيار الأدوات الكفاحية، والاتفاق عليها وتوظيفها.
ليس الشعب الفلسطيني وحده في مأزق، أو أن الإسرائيليين مرتاحون، رغم أنهم في الموقع الأقوى، ولكن طرفي الصراع كل منهما في أزمة وكلاهما في مأزق، والأمر سجال بينهما، ولا يوجد خيار أمام الشعب الفلسطيني سوى مواصلة النضال حتى يذعن الإسرائيلي لحقوق الشعب الفلسطيني ويحترمها ويقبل بها، وبالتالي يستعيدها مهما طال الوقت، فلن يضيع الحق الفلسطيني ووراءه صاحب حق وهو الفلسطيني.
h.faraneh@yahoo.com