عبقرية وزير...


مدح وثناء السلاطين والخلفاء والوزراء وقادة الجند كانت في عهود خلت مادة إعلامية وتاريخية يحاك أمجادها في مجالس الشعراء والأدب حتى أنها وصلت إلى الأدب الشعبيّ الذي احتضنها على طريقته الخاصة، فظهر الحكواتي الذي يؤنس بمجالسه عامة الناس وهم يستمعون عن عبقرية أهل الزمان، وكيف أنهم استخدموا الدهاء والذكاء والموهبة والإبداع لكي يتغلبوا على الأوجاع، وأمراض اجتماعية أوشكت بالافتاك بالأمة، وتغيير معالمها الدينية والتربوية.


إخفاقات تربوية متتابعة تصدرت عناوين الصحف منذ خمس سنوات وأكثر، حتى بتنا على وشك الإفلاس التربوي، فجامعاتنا أصبحت ساحات للوغى، ومدارسنا أنهكتها التكدّسات والواسطات والبعد عن المسؤولية، فأخترق امتحاننا الوطني وأصبح يباع على أرصفة الطرقات وفي رفوف المكتبات، لا بل خزّن في ذاكرة الهواتف المحمولة قبل إقلاع الأوراق إلى مكانها الرئيس في أيادي الطلبة في المدارس.

ولان الإصلاح لا يعترف أحياناً في تغيير الشخوص والمقاعد والمناصب ولا بالتنقلات في الادارات، بل الإصلاح يبدأ في مسح الثقافة التي غرست في عقول البشر باعتبار أن الغش وأخذ حق الغير بدون مبرر أدبي وأخلاقي، يعدّ جريمة وطنية بامتياز يعاقب صاحبها مرتين أولها: في خدش سمعة الدولة التربوية أمام العالم، وثانيها: أنها محرمة وفق الشريعة الإسلامية التي حذرت من نواتج الغش وسلبياته على النشء.

ولأنه أستاذ في الإدارة أدرك معالي الوزير أن التوجيهي بحاجة إلى ثورة تصحيحية سريعة يساهم فيها الجميع من مؤسسات رقابية ودينية وأمنية وقوانين تشريعية حازمة تجرّم العابثون وتقدّمهم للعدالة صاغرين، ولو كلف الأمر إجراءات تفوق النرجسية التي تعوّد عليها طلبتنا في السنوات السابقة من خدمة الجوال، والمعلم المختفي خلف الأسوار، والسمسار الذي يتلاعب بالنشء، لكي يحصل على الأموال، ليهدم بيوت العز الذي بناها العلماء والشطّار.


لاشك أن وزيرنا عبقريّ ويستحق الإشادة والاحترام، لأنه أعاد جزء من العدالة التي اندثرت نتيجة الغش والسرسرة والصلصلة، وغياب القوانين الرادعة.