الأمن الإسرائيلي ضد الاستقلال الفلسطيني
كلاهما نتنياهو وأبو مازن كان مرغماً على قبول فكرة جون كيري الأميركية لاستئناف المفاوضات يوم 30 تموز 2013، التي سبق لها وأن سجلت فشلاً لواشنطن في استضافتها لمفاوضات كامب ديفيد 2000 بين الرئيس الراحل ياسر عرفات وأيهود باراك برعاية كلينتون، وسجلت فشلاً للرئيس بوش الابن لأن أبو مازن ويهود أولمرت لم يستطيعا التوصل إلى نهاية الاتفاق الذي سجلته كونداليزا رايس في أعقاب مفاوضات أنابوليس 2008، بمثابة وديعة لعهد أوباما بعد انتهاء فترتي بوش، وسجل الرئيس أوباما فشلاً ذريعاً في ولايته الأولى لأنه لم يستطع إقناع نتنياهو ببدء المفاوضات من حيث انتهت في عهد سلفه بوش، مثلما فشل في إقناعه بوقف الاستيطان التوسعي الاستعماري على أرض الفلسطينيين المحتلة سواء في القدس التي يتم تغيير معالمها وتراثها الإسلامي المسيحي، وعروبتها نحو التهويد والأسرلة، أو في أرض الضفة وصولاً حتى الغور الفلسطيني.
نتنياهو، كان مرغماً على قبول فكرة المفاوضات، لأنه لا يستطيع عناد الأميركيين والتصلب في وجوههم، ولذلك قبل استئناف المفاوضات لأنها ستوفر له فرصة مواصلة الاستيطان تحت غطاء المفاوضات، وستضيف المفاوضات له غطاء للمباهاة على أنه رجل سلام يسعى له، ويحاول الحصول عليه، ودفع مقابل ذلك الإفراج عن أسرى ما قبل أوسلو 104، الذين لم يستطع لا رابين ولا بيريس ولا باراك الإفراج عنهم، لأنهم نفذوا عمليات مسلحة وقتلوا إسرائيليين، فكان الثمن بالمعايير الإسرائيلية باهظاً، ومع ذلك وافق على إطلاق سراحهم، مقابل تأجيل ذهاب الفلسطينيين إلى المؤسسات الدولية واستكمال مكانة فلسطين، كمشروع دولة قائمة تحت سلطة الاحتلال، ولكنها تملك مقومات العضوية في المؤسسات الدولية، بما فيها جلب إسرائيل وحكامها العنصريين والفاشيين للعدالة الإنسانية، وإدانتهم بما اقترفوه، من جرائم بحق الإنسان العربي الفلسطيني المسلم والمسيحي.
وأبو مازن وافق على المفاوضات، لأنه أيضاً لا يستطيع التصادم مع الأميركيين، لأنه سيخسر، وسيدفع الثمن كما فعلوا في سلفه الراحل الكبير أبو عمار، ولأن رفضه للمفاوضات يعني عدم توفير الرواتب واحتياجات السلطة ومقومات صمود شعبه على أرض الوطن، من قبل المانحين الأوروبيين والعرب واليابانيين الذين قد يتجاوبون مع طلب واشنطن في حجب المساعدات ومنع التمويل، إضافة إلى بقاء أسرى الحرية خلف القضبان القاسية، منذ ما قبل أوسلو.
لقد رفض نتنياهو، وما يزال، فكرة التفاوض على قضايا المرحلة النهائية، وتشكيل لجان تفاوضية بشأنها كما حصل خلال مفاوضات أنابوليس بين أبو مازن وأولمرت، وأصر على فتح التفاوض على قضية واحدة هي الأمن، باعتباره مفتاح الحل، الأمن مقابل السلام، الأمن مقابل الأرض، الأمن مقابل الدولة، وأقنع كيري أبو مازن بقبول التفاوض بشأن الأمن، والأمن وحده، في المرحلة الأولى، على أن لا يكون ذلك على حساب القضايا الأخرى: عودة اللاجئين، استعادة القدس، ترسيم الحدود، استعادة المياه، إطلاق سراح الأسرى، وإزالة الاستيطان.
حجة الإسرائيليين، بالأمن، قبلها كيري، ولذلك أحضر لهم 150 خبيراً أمنياً أميركياً في كافة التخصصات بهدف توفير إجابات عملية على كافة استفسارات الأمن الإسرائيلي عبر التكنولوجيا المتطورة وأجهزة الإنذار والأقمار، ومراقبين دوليين، وهو اقتراح وإجراء أحرج الإسرائيليين وأزال من بين أيديهم حجة غياب الأمن، وأن الأميركيين وأجهزتهم سيوفرون للإسرائيليين الأمن المطلوب، سواء على حدود الأردن في الغور الفلسطيني، أو خلال المعابر، أو غيرها من الأماكن أو المواقع، وأن بقاءهم في الغور لا مبرر له، إذا كانت دوافعه أمنية، وقد كان مئير دغان، مدير المخابرات الإسرائيلي الأسبق واضحاً حينما قال في محاضرة علنية له: "إذا رغبت الحكومة أو الأحزاب أو الائتلاف بضم الغور (الفلسطيني) لأسباب أيديولوجية فهذا مفهوم ومقبول ومبرر، على أن لا يكون الأمن مبرراً للضم وعدم الانسحاب، فالغور (الفلسطيني) لن يوفر الأمن لإسرائيل".
حجة نتنياهو وقادة أحزاب الاستيطان، ومعهم موشي يعالون وزير الحرب والتوسع، أن الأمن لا يضمنه سوى الإسرائيليين لأنفسهم، ولذلك يرفضون أي تدخل بديل لهم وعنهم، وهي حجة وغطاء لبقاء جيش الاحتلال والمستوطنين وقواعدهم ومستوطناتهم على أرض فلسطين، وهي بداية الفشل لخطة كيري، الذي لا يستطيع، ولا يملك، لا أبو مازن ولا نتنياهو الإعلان المسبق عن رفضها، وكلاهما يسعى لرمي الكرة في مرمى الآخر، لعل غيره يرفضها، ولا يُسجل على أنه من أفشل خطة كيري والبرنامج الأميركي، وهذا ما يفسر عدم رفض الفلسطينيين علناً لها، إذا لم تستجب لحقوقهم المنهوبة، وإن لم تقربهم من استعادتها فلن يتجاوبوا معها.
h.faraneh@yahoo.com