"خبيزة" الفقراء وموازنة الأثرياء
سألت أصدقائي على الفيسبوك، ما هي أكثر قضية أردنية ملحة، ولها الأولوية، ومن الضروري أن أكتب عنها؟!.استفاض أصدقائي في مقترحاتهم للكتابة، وسأقتبس دون ذكر أسمائهم لأنني لم أستئذنهم في النشر، الأول طلب مني تسليط الضوء على زيارة نتنياهو، وبالمناسبة الشارع الأردني غير مرتاح، ويشعر أن هناك طبخة سياسية، فهي تأتي بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي كيري، وبعد لقاء الرئيس الفلسطيني أبومازن، وهناك ثلاثة ملفات مفتوحة، الفلسطيني، السوري، الإيراني.والصديق الثاني أسدى لي نصيحة بأن أكتب عن التشويه الذي لحق بمفهوم الولاء والانتماء، والثالث طالب بالحديث عن اقتناء الناس للأسلحة، وبشكل لافت، وأكثر من صديق أصر على ضرورة إثارة تراجع منظومة الأخلاق في الأردن.أكثر التعليقات أثارت قضية الموازنة والوضع الاقتصادي الصعب للمواطن، وغلاء الأسعار للسلع والخضار، فحدثني أحدهم أن أكتب عن "الخبيزة" الأكثر رخصاً الآن كغذاء للفقراء، فتدخل آخر ممازحاً أن أبتعد عن ذكرها حتى لا يتفطن الرئيس النسور فيرفع سعرها!.نعم، موازنة الدولة ترتبط بكل القضايا المعيشية للأردنيين، ولست خبيراً مالياً أو اقتصادياً لمناقشة أرقامها، ولكن استوقفتني ملاحظات ترتبط بها.الملاحظة الأولى خلال 25 عاماً من عودة الحياة البرلمانية في الأردن منذ عام 1989، لا أتذكر أن هناك موازنة قدمتها حكومة ورفضت، والسمة الأبرز أن كل الخطابات الرنانة والمعارضة ليست أكثر من مهرجان خطابي أو حفلة "زار"، والأهم أنه بعد إقرار الموازنة من قبل البرلمان لا يراقب النواب والأعيان مدى التزام الحكومة بإنفاذها والالتزام بتوصياتهم!.المضحك والمبكي وهي الملاحظة الثانية، أن جلسات الثقة بالحكومة وإقرار الموازنة هما أكثر ما ينصب عليه الاهتمام برلمانياً وإعلامياً وشعبياً، ولكن النواب هذه المرة أظهروا لا مبالاة فريدة في حضور الجلسات، فقانون الموازنة أقر بموافقة 57 من أصل 102 حضروا الجلسة، وغياب 47 نائباً، وحين كتبت منتقداً ذلك على التويتر، أجابني النائب والصديق طارق خوري موضحاً بأن 11 نائباً من اللجنة القانونية يشاركون بمؤتمر في لندن بدعوة من مجلس العموم البريطاني، فتساءلت: أليس الأولوية هو حضور جلسات الموازنة على المشاركة في مؤتمر خارجي مهما كانت أهميته، ولماذا توافق الأمانة العامة على سفر كل هؤلاء النواب في هذا وقت يتطلب وجودهم، وأين البقية الذين غابوا حتى دون عذر وهم متواجدون في الأردن؟!.النقطة الأخيرة المثيرة للاهتمام إقرار موازنة تصل إلى 8 مليارات دينار، في حين أن الإيرادات المتوقعة لن تصل إلى 6 مليارات، وهذا يرتب عجزاً يزيد على المليارين، ما يزيد من مديونية الدولة في ظل شح الموارد وارتفاع فاتورة الطاقة ووضع إقليمي مضطرب.الموازنة تواجه تحديات كبيرة، ولا يجوز للحكومة أن تلجأ لأسهل الحلول لتوفير الإيرادات بتحميلها للمواطن رفعاً للأسعار أو ضرائب جديدة، ولفت انتباهي كلام كتلة التجمع الديمقراطي بضرورة معالجة قضية التهرب الضريبي عند الأثرياء طبعاً، والتي يتوقع أنها تزيد على المليار دينار.باختصار؛ موازنة الدولة يستفيد منها الكبار، ويدفع ثمنها المواطنون "الصغار"، والغلابى ممن يأكلون الخبيزة، والخاسر بالتأكيد الأردن!.