هديل الحليسي وسؤال الحرية
(كانَ هُنالِكَ .. ألفُ امرأَةٍ في تاريخي .
إلا أنّي لم أَتزوَّجْ بين نساءِ العَالمِ
إلا الحرية) نزار قباني
-----------------------------------
منْ بسذاجتي حين أصدّق حلما يراودني كل ليلة بأن قيدي يحنو على معصمي ،وأن الورد هو من يدمي وجه الشوك ؟ ربما هديل تشاركني في حلمها سذاجتي الطيبة في بحثي عن زمن لا تتعرى فيه الكلمات وتفقد عذريتها ، وعن أرض لا تُنشد ( بلاد القيد أوطاني).
استفزتني هديل بمقالتها في عمون والمعنونة (شيء يدعى الحرية ) ، وحملتني إلى عوالم أشبه بالأساطير لأبحث عن كائن يدعى (حرية ) كان ذات يوم ينقش على الدروب اسمه فيلتقطه السيَّارة ويعلقونه على الصدور نيشانا وتربطه النساء بضفائرهن ويهزجن للحبيب ويسرقن من مطر قصيدته ويكحلن بها عيون الحرية.
أخبرنا أستاذي يوماً عن شيء يدعى الحرية
فسألت الأستاذ بلطف أن يتكلم بالعربية
ما الحرية ؟!
هل هي مصطلح يوناني عن بعض الحقب الزمنية ؟!
أم أشياء نستوردها أو مصنوعات وطنية؟!
فأجاب معلمنا حزناً وانساب الدمع بعفوية
قد أنسوكم كل التاريخ وكل القيم العلوية
أسفي أن تخرج أجيال لا تفهم معنى الحرية
أيتها المرأة المتزملة بدثار الحرية تحملين في قلمك بعض وجعي وتنزفين من مداده دمي فأنا المسكون بالسمع والطاعة ، أنقب في سِفر الرافضين عنّي ولا أجدني ، أأنا أنا أم هو ذاك الذي استولده القهر منّي فشق عنّي جلدي وأهداني قلما ودواة وقال : إن كنت تريد الحياة فانزع من حنجرتك كاتم الصوت وغنّي ، وارتحل مع السيّارة واسلك دربا من دربي والتقط اسمي واكتب ما كانت يوما بلاد القيد أوطاني ولكنها الحرية وطني.
ردوا الإنسان لأعماقي
وخذوا من أعماقي القردا
أعطوني ذاتي
كي أفني ذاتي
ردوا لي بعض الشخصية
كي أفهم معنى الحرية
تونس الخضراء جادت علينا بورقٍ من توتها ،وأنارت طريقنا البائس بقبس من نورها ،وتبعتها مصر تنثر في المدى مسك الشهداء وتهدي لنا بعض ألقها ، تونس ألقت على العالمين قولا ثقيلا حين ارتدت روح الشابي وفجرت بركانها بساعد البوعزيزي فانتشر في الآفاق عبق الياسمين وكانت الثورة ، ومصر البهية تحمل عنّا الآن عناء القضية وترسم بآهات الشباب خارطة للوطن المؤطر بالزيتون والبنفسج والحب والبندقية ، فعودي من جديد يا هديل لتستنطقي نزارا ،فمصر الآن تخرج من تحت الرماد فينيقا لا يؤمن إلا بفعل الحرية.
من مسح الحنة عن يديك يا بهية؟
من سرق النجوم من ليل العيون السود؟
ماذا جرى لجيمك الملحنة؟
والعسل المسكوب
من لهجتك المصرية
ماذا جرى؟
للكعك.. والأطفال.. والموالد الشعبية
والحزن في الشوارع الخلفية
يا مصر
يا حبيبة ابن العاص
وعشقه الأول والأخير
لن يستطيع الرجل الصغير
أن يطفئ الشمس، وأن يزور القضية
فأنت مهما ضاقت الحياة
باقية في القلب يا بهية
باقية في القلب يا بهية
باقية في القلب يا بهية
هديل نحن جميعا متورطون بذنبنا الجميل في البحث عن عروس بيضاء كجناح نورس ، لنهدي لها لوعة القلب وشوق السنيين الظامئة ،ونطلب منها أن ترخي لنا جناحها لتحملنا إلى حيث الغيمة البيضاء أطيافا انفك قيدها ، فتاقت روحها لجبل الثلج هناك لتحتويها السماء وترشف رحيقا ممزوجا بنبتة عطرية هي الحرية ، فينداح الظلام ويهدل الحمام وتطلع شمس غير شمس الأمس لترسل جدائلها تمسح عن وجه السلام آثام خطيئتنا حين استبدت بنا فحولتنا فاغتصبنا وجه الأرض ولوناها بعبثنا وزرعنا فيها شجر الانتقام.
هديل لا تصدقي ما أقول ، فأنا مجرد عربي نام منذ ألف عام وهو الآن يحلم أنّ في بلاده كانت تعيش صبية رائعة القوام تدعى (حرية ) ،وحين فاق من سباته ولم يجدها أخذ يهذي في الأنام أن طيفها يراوده كل ليلة في المنام .
هديل اسألي سؤالك ولا تبالي وقولي كما أحمد مطر:
وسألت المغتربين وقد أفزعني فقد الحرية
هل منكم أحد يعرفها أو يعرف وصفا ومزية
فأجاب القوم بآهات أيقظت هموما منسية
لو رزقناها ما هاجرنا وتركنا الشمس الشرقية