كيف نتعلم أن نقبل بنتائج الديمقراطية ..

 

لعل من أهم التحديات التى تواجه المجتمعات الفتية في تجاربها الديمقراطية هي القبول بنتائج العملية الديمقراطية بغض النظر عن من هو الرابح أو الخاسر، طالما التزمت الأطراف بالأسس والمعايير والإجراءات المقرّة وتداول السلطة. وقد تجلى هذا التحدي ولو بشكل مصغّر في تداعيات الإعلان عن نتائج الدورة الأولى لبرنامج التمكين الديمقراطي- النوافذ الشبابية. فقد تباينت ردود فعل المتقدمين للنوافذ ضمن ثلاث مجموعات أساسية: الأولى هي مجموعة الفائزين والذين بلغ عددهم 97 من أصل 618 متقدما للجائزة. وكما نتوقع، فقد عمّت الفرحة بين هؤلاء الذين رأوا بأم أعينهم إمكانية تحويل أفكارهم حول التطوع ونبذ العنف والتوعية المجتمعية والحوار الى مشاريع حقيقية على أرض الواقع. وقد زادت فرحتهم بتشريف صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله برعاية الحفل وتحفيزهم على الانخراط بالحياة العامة. أما المجموعة الثانية، فهي من المتقدمين الذين لم يفوزوا وقد بادروا بممارسة حقهم بالاتصال ومراجعة برنامج التمكين للتحقق من أسباب عدم الفوز. وإيمانا بحقهم في ذلك وبضرورة «التغذية الراجعة» لتحسين فرصهم في جولة شهر نيسان القادم، فقد قام البرنامج بتوجيه رسائل لكل المتقدمين توضح أسباب إخفاقهم، إما لعدم استيفاء بعض الشروط والمتعلقة بالنوافذ الشبابية المختلفة، وإما لعدم الحصول على الحد الأدنى من النقاط للنجاح. أما المجموعة الثالثة، فهي أيضا من المتقدمين الذين لم يحالفهم الحظ، ولكنهم اختلفوا عن المجموعة الثانية بأنهم سارعوا الى الحكم على البرنامج من حيث نزاهته من حيث الشروط والمعايير والمحكّمين والنتائج. ولم يتوقفوا للحظة واحدة ليتساءلوا ان كانت طلباتهم التى قدموها قاصرة في أي جانب من جوانبها لا سمح الله.
في سعينا الى التحول الديمقراطي، نكون قد وصلنا في الأردن الى بر الأمان السياسي والمجتمعي حينما نضع الشروط والمعايير بشكل شفاف، نجري المنافسة على أساسها ، ويظهر من خلالها الرابحون والخاسرون، يهنئ الخاسرون الرابحين، وينطلقون الى التعلم من التجربة والإعداد للجولة القادمة. ومن الطبيعي إعادة النظر في الشروط والمعايير بعد التجربة، فهي ليست منزلة ولا تتعدى ان تكون اجتهادات يمكن تطويرها في ضوء التجربة في الجولات القادمة. بالتأكيد لا زلنا بعيدين عن هذا الشكل من القيم والممارسات الديمقراطية.
للمجموعة الأولى من الفائزين نقول: نهنئكم وباسم صندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية وبرنامج التمكين الديمقراطي بالفوز الكبير. والتعويل عليكم كبير في المبادرة بتحويل أفكاركم الى واقع في المدرسة والجامعة والحي والوطن من خلال مشاريعكم الرائدة. وللمجموعة الثانية ممن لم يحالفهم الحظ نقول: نشكركم على التقدم للبرنامج وعلى اصراركم على حقكم بمعرفة النتائج والاستفادة من التجربة. ونعدكم بأن نطلق ورشات عمل تدريبية في الأشهر القليلة القادمة وفي كافة المحافظات تهدف الى بناء مهارات إعداد المشاريع ومتطلباتها. وللمجموعة الثالثة نقول: نشكركم على التقدم للبرنامج، ونأمل ان تتحلوا بالروح الرياضية ولا تفقدوا الأمل بالفوز مستقبلا. فخوض أي منافسة يحتمل النجاح او الفشل، والفرق يتمثل في القدرة على التعلم من التجربة وتحسين الأداء مرّة تلو الأخرى. كما نأمل ان نطور معا لغة جديدة في التعامل مع الاخر، لا تتسرع في إطلاق الأحكام والتشكيك بنزاهة المعايير أو الأشخاص قبل التحقق. والسعي الدائم نحو التطوير وليس الهدم. بناء هذه الثقافة ليس بسهل في أجواء من انعدام الثقة داخل المجتمع. ولكن لا بديل لنا، أفرادا ومؤسسات ومجتمع ودولة، الا ببناء جسور من الثقة والعمل البناء لتحصين البيت الداخلي وضمان استقرار ونماء الوطن.
نحيي كل من يصر على المشاركة في برنامج التمكين الديمقراطي وفي متابعة المسيرة وتطوير شروطها ومعاييرها. فالشروط والمعايير الحالية وآليات اختيار المحكمين وضعت بعد تشاور مع عدد كبير من الناشطين في المجتمع المدني، ولكنها ليست منزلة ويمكن تعديلها وتطويرها في كل دورة في ضوء التجارب الميدانية. ولكن علينا ايضا ان نتوافق على أهم مبدأ في العمل الديمقراطي، وهو اننا عندما نتوافق على معايير الاختيارعلينا ان نقبل بالنتائج مهما كانت. وفي غياب ذلك، تتحول كل عملية منافسة الى قلب للطاولات من قبل الفريق الخاسر وعدم قبول بالنتائج، وليس هذا هو النموذج الذي يسعى اليه أي من المشاركين. لعلنا معا، وعبر الاصرار على مبدأ تمكين الشباب، أن نخرج بنموذج في المشاركة بوضع شروط المنافسة ومن ثم الاعتراف والقبول بالنتائج، وضمان تكرار الدورة حتى تتاح الفرصة في المشاركة للجميع. وما هذا الا اساس التحول الديمقراطي.