بين السفارة المصرية والدوار الرابع ومجلس النواب


 

تامر خرمه

سنوات التسلط والقمع، وسطوة الدولة البوليسية، ونهجها المبرمج الذي استهدف مختلف القوى والاحزاب السياسية العربية، و"ديمقراطية" العم سام للبرلة وتدجين الاحزاب الثورية، وكلاشيهات الإصلاح المزيفة، كل هذه العوامل فشلت في الحيلولة دون ولادة قوى شبابية بدأت بتغيير معالم الخريطة السياسية على امتتداد الجغرافيا العربية·

القوى الشبابية الناشئة من رحم التناقض الذي أنتجه الواقع العربي عبر سنوات الجوع والقهر، فجرت ثورة الخبز والحرية في المدن والعواصم العربية، لتتبلور ملامحها بتونس ومصر في إطار لجان شعبية تقود الجماهير على طريق التغيير الجذري، بعيداً عن وعود الاصلاح والترقيع التي ضبطت إيقاع اللعبة السياسية بما يلائم العزف المنفرد للسلطة، في العديد من أقطار الوطن·

السلطة الرابعة باتت هي السلطة الشرعية الوحيدة بالنسبة لهذه القوى الشبابية بعد صهر السلطات الثلاث على هامش السمسرة والتبعية، حيث عصفت معركة اعلامية بصفحات الانترنت، وخاصة موقعي "الفيسبوك" و"تويتر" لتتحول إلى ثورة افتراضية نجحت في الانتقال إلى أرض الواقع لتعلن بداية مرحلة الثورة الشبابية، ويتحول عام 2011 الجاري إلى عام الثورة العربية الشعبية·

"بطبيعة الحال لا نستطيع النزول إلى الشارع بسهولة، فكان الانترنت هو المنفذ الوحيد لنتصل ببعضنا البعض، كل مواطن كان يحاول التعبير عن غضبه عبر الوسيط الالكتروني، فتلاقينا وعرفنا أن الألم المصري واحد، كل واحد منا كان يظن نفسه وحده وأن ألمه شخصي·· لكن اتضح ان ده ألم شعبي، والديكتاتورية تحمل عناصر تدميرها بداخلها"·· هكذا تصف نواره نجم، ابنة الشاعر احمد فؤاد نجم، كيف بدأت القوى الشبابية في مصر بنقل ثورتها الافتراضية من عالم الانترنت إلى أرض الواقع، لتتفجر ثورة 25 يناير بعد تسعة أيام من نجاح الثورة التونسية في اسقاط زين العابدين بن علي الذي لم يجد من يستقبله بعد فراره سوى أصدقائه في السعودية·

صفحات "كلنا خالد سعيد" و"شهداء 25 يناير" و"شباب 6 ابريل" تعتبر من أهم الصفحات على موقعي "فيسبوك" و"تويتر" اللذين يشكلان القيادة المركزية للثورة الشبابية المصرية، حيث ينشط على هذين الموقعين حوالي 80 ألف شاب وشابة أسسوا جمهورية الثورة المصرية في ميدان التحرير·

"لو خايف على مصر·· لو فعلاً عايز تطالب بحقك·· شارك وكفاية سكوت، لو جوّه مصر انزل للشارع، وشارك يوم 25 يناير، لو برّه مصر ادعو كل اصحابك واقاربك للمشاركة معنا في أي من الوقفات الاحتجاجية، لو موجودين في نيويورك أو واشنطن أو تورنتو أو لندن·· شارك، وبعدها تتوالى الاحتجاجات من المصريين حول العالم، لازم تحضر اليوم ده للأهمية القصوى"·· هكذا بدأت الدعوة لتفجير ثورة النيل، ولحشد القوى الشبابية ليس في مصر فحسب، بل في كافة المدن العربية التي دعمت وساندت هذه الثورة·

السفارة المصرية بعمان، باتت هذا الاوان الملتقى الذي يجمع كافة القوى الشبابية الاردنية التي استجابت للنداءات الموجهة عبر موقع "الفيسبوك" لتواصل اعتصاماتها واحتجاجاتها بين السفارة المصرية والدوار الرابع ومجلس النواب·

بين دعمها لثورة النيل، وفعالياتها الاحتجاجية المطالبة بحل مجلس النواب وتغيير النهج الاقتصادي- السياسي في الاردن، التقت مختلف القوى الشبابية، بعد اسقاط حكومة الرفاعي، لتواصل نشاطها ضمن مطالب محددة وواضحة، حيث التقت "الشبيبة" من مختلف الاحزاب السياسية والأطر الطلابية والشبابية على مطلب التغيير، بعد أن تباينت رؤية ومواقف أحزاب المعارضة السياسية·

"الثورة في مصر حولت الشباب من وقود للثورات إلى قادة للتغيير"، هذا ما قاله د· فاخر دعاس، مسؤول المكتب الشبابي لحزب الوحدة الشعبية، الذي أكد في تصريح أدلى به "للمجد" أن ما حدث في مصر انعكس على الأوساط الشبابية الاردنية التي ازدادت ثقتها وإيمانها بقدرتها على إحداث التغيير، فشهدت البلاد حراكاً شبابياً غير مسبوق، حيث يجدر عدم تفويت الفرصة لإحداث إصلاحات جذرية·

وأضاف: "حتى ان الكثير من الأحزاب السياسية بدأت تولي الشباب الدور الاكبر في الحراك الشعبي، منوهاً في ذات السياق إلى أن سقف المطالب الذي تطرحه فئة الشباب يكون عادة أعلى من نظيره لدى النخب السياسية"·

ونوه الى أن الحكومات العربية عمدت إلى تغذية النزعات الاقليمية والطائفية والاثنية والقبلية، في محاولة منها لتمزيق وحدة الشباب في مواجهة سياساتها، إلا أن ما آلت إليه الاوضاع من فقر وبؤس بات أكبر من أن يمزق الناس، والاردن ليس بمنأى عن هذه التحولات·

وفي إشارته إلى العنف العشائري والجهوي في الجامعات الاردنية، اكد دعاس أن تفاقم الأزمة الاقتصادية وتقييد الحريات العامة من جهة، وتأثير الثورة الشبابية المصرية من جهة اخرى، وحّدا الأوساط والفئات الشبابية التي باتت تدرك أهمية دورها وضرورة ترفعها عن الصغائر التي كانت تنزلق فيها، لافتاً إلى أن ظاهرة العنف في الجامعات، التي جاءت نتيجة السياسات الرسمية، تمضي في طريقها إلى الاندثار·

ملاحقة القوى الطلابية ومنع العمل الحزبي في الجامعات، يعتبران من أهم العوامل التي أدت إلى نشوء ثقافة مشوهة اسهمت في تعزيز الولاءات الضيقة وتفاقم ظاهرة العنف العشائري لدى الأوساط الطلابية، حيث اكد ماهر النمري، مسؤول كتلة التجديد العربية، أن القوى الطلابية مازالت تعاني من السياسات الرامية لمحاربتها وتهميشها ومنعها من الوصول إلى مجالس الطلبة، لتتحول الانتخابات الطلابية إلى مناسبات للمناكفات الاقليمية والجهوية بعيداً عن القضايا المطلبية والهم الطلابي·

وقال النمري: إن محاولة تغييب الوعي الطلابي تبرز من خلال أنظمة التأديب المعمول بها في الجامعات، ومحاربة القوى الطلابية وإيقاع شتى العقوبات بحق النشطاء الذين تعرض العديد منهم للفصل من الجامعة بسبب توزيع ملصق أو نشرة طلابية·

ونوه إلى أن إقامة اتحاد عام لطلبة الاردن هو المدخل الرئيس للارتقاء بالوعي الطلابي بما يحقق مصلحة الوطن، ويفتح الباب أمام جيل المستقبل للاضطلاع بدوره الريادي·

ومقابل الملاحقة والتضييق على القوى الطلابية والشبابية، دأبت الحكومات المتعاقبة على تسهيل عمل المؤسسات التطبيعية، تحقيقاً لاستحقاقات معاهدة وادي عربة المشؤومة، حيث تقدم كافة التسهيلات لهذه المؤسسات المشبوهة الهادفة لتأهيل "الانسان الجديد" وفق مقاييس تل ابيب·

العديد من المؤسسات والجمعيات المشبوهة نشطت في الآونة الاخيرة بين الاوساط الشبابية بهدف استقطابها إلى مشاريع تطبيعية عبر أنشطة رياضية وفنية وترفيهية مختلفة، وتحت عناوين "حماية البيئة" و"مكافحة التغيرات الايكولوجية" وغيرها من العناوين البراقة التي تخفي بين طياتها أجندة صهيونية ذات أهداف معروفة·

د· هادي الخيطان، منسق تجمع القوى الطلابية والشبابية لدعم المقاومة "اتحرك"، أكد أن هذه المؤسسات  أقامت العديد من النشاطات وورش العمل التي استهدفت قطاع الطلاب بشكل خاص، في سياق عملية التطبيع التي تعتبر من أخطر ما نصت عليه معاهدة وادي عربة·

وقال الخيطان: "اننا نتابع هذه النشاطات لفضحها وكشفها أمام الرأي العام أولاً بأول، ضمن برامج مقاومة التطبيع الذي تقوده "اتحرك" إلى جانب كافة القوى الطلابية والشبابية·

وأشار إلى أن "اتحرك" تواصل نشاطها ولقاءاتها بمختلف الأوساط الشبابية لعقد المؤتمر الشبابي الأول لمقاومة التطبيع، منوهاً إلى أن القوى الطلابية والشبابية بصدد تكثيف جهودها وتوحيدها بما يحقق مصلحة الوطن، في ظل تنامي القوى الشبابية العربية التي أثبتت للعالم أن الشعب العربي مازال يمتلك إرادة التغيير·

المؤسسات الشبابية الناشطة في مجال البيئة وحماية الطبيعة، تحظى باهتمام العديد من مراكز التمويل الأجنبي، وفي مقدمتها اليو اس ايد، التي تحاول فرض أجندتها الخاصة على هذه المؤسسات، إلا أن العديد منها رفض بشدة هذا التمويل، كالجمعية العربية لحماية الطبيعة التي تجاوزت أنشطتا الجغرافيا القطرية لتمتد إلى العديد من المناطق المهمشة والمنكوبة على امتداد الوطن العربي·

وتقول زينة جعجع، الناشطة في الجمعية، "إن تلوث المياه والمزارع من شأنه أن يؤثر سلباً في قدرة الانسان على صموده في أرضه ووطنه"، ومن هنا جاءت فكرة حملة المليون شجرة التي تعكف الجمعية على زراعتها في فلسطين المحتلة، بالتنسيق مع اتحاد اللجان الزراعي والاغاثة الزراعية ووزارة الزراعة الفلسطينية·

وأضافت قائلة: "في كل دقيقة يتم اقتلاع شجرة في فلسطين بطريقة ممنهجة ومدروسة، ناهيك عن قانون استصلاح الاراضي الهادف إلى الاستيلاء عليها، أضف إلى ذلك مصادرة الأراضي لتشييد الجدار العازل"·

وأشارت إلى أن من أهم مشاريع الجمعية التي تقوم بها هذا الوان، "مشروع القافلة الخضراء"، في مواجهة التصحر بالاردن، و"برنامج الاغاثة التنموية والسيادة على الغذاء"·

تنوعت انتماءات الشباب وخلفياتهم الفكرية والثقافية والسياسية، إلا أن الغد الأفضل يجمعهم في ظل تنامي دورهم واستلامهم زمام المبادرة، ولم يعد بإمكان المؤسسات الرسمية تجاوز المطالب الشعبية، حيث ان منظومة السلطة الابوية في العالم العربي، التي ارسى قواعدها تحالف رأس المال والدولة الامنية، قد غادرت صيرورة التاريخ العربي، ورغم هذا تستمر محاولات العودة إلى الوراء بالعزف على وتر النشاز·