المنتمي واللالالالالا...منتمي


"مهداة للدكتور محمد عطيات شاعر القصيدة المستفزة،والكلمة الموجعة"

بسام الياسين

قال لي : أَرايت اولئك الذين يحبون الوطن،ويحبهم الوطن،اولئك الذين يعطون اكثر مما ياخذون. واعلم ان هناك فرقاً شاسعاً بين ان تعيش في الوطن لتنهب ما فيه،و ان تعيش للوطن لتعطيه.المنتمون الحقيقيون يرفعون بنيان الوطن طوبة طوبة،و مدماكاً فوق مدماك،وفي ساعات الشدة يمنحنونه ما عندهم.هؤلاء هم الابرار لا التجار. نقيض اولئك الذين يقولون مالا يفعلون،و الذين يتبجحون لخداع الناس،و يجعجعون ـ بمناسبة وغير مناسبة ـ لاصطياد شعبية مغشوشة. اقوالهم قبض ريح." كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون".صدق الله العظيم.

*** وقال لي:ارايت اولئك الذين لوحّت الشمس جباههم،وهم يحرثون الارض ثلماً تلو ثلم،و يقلبونها دونماً بعد دونم حتى صارت بين ايديهم سجادة مطرزة بسنابل القمح "في كل سنبلة مائة حبة"،وغابة من جوز ولوز وتين و اعناب قطوفها دانية،وظلالها وارفة كجنة تسر الناظرين، ياكل من خيرها الطير والحيوان،ويقطف من ثمرها الانسان.اولئك هم عجول الوطن ومسامير الارض.

*** وقال لي:ارايت اولئك الذين يشيلون البنادق على اكتافهم في الحر والزمهرير،ينتصبون كالسنديان صلابة،و ينغرسون كالزعرور الشائك ثباتاً،و كالصبّار يسيجون حدود الوطن الذي يطلق شوكه لمن تسول له نفسه العبث. تراهم يحملون تيجان العز على جباههم و اعلام النصر بايديهم ...اولئك هم الاوفياء الاشداء.

*** وقال لي : ثمة رجال من اهل الولاء والانتماء، لم ينالوا حقهم من التكريم في وطنهم الذي احبوه وضحوا لاجله،رغم سطوعهم الباهر،و تضحياتهم الجليلة ،وحضورهم المتميز في ميادين السياسة والادارة و التربية والعسكرية و الامن والقضاء والطب والهندسة،والفن...هؤلاء هم الجنود المجهولون مثال النزاهة والوفاء،لهم التحية السرمدية.بعضهم قضى نحبه بصمت من دون نفخ في بوق لحن الرجوع،وانمحت اسماؤهم من على شواهد قبورهم،اولئك هم الاطهار، اشرف اهل الارض.وصيتي: ان تقرأ على ارواحهم الطاهرة المطهرة، صباح مساء فاتحة الكتاب،وتدعو ان يُنْزلهم الله منازل الشهداء،ويرفعهم الى مراتب الانبياء.

*** وقال لي الفيلسوف الحكيم: التاريخ يعيد نفسة في الاولى على شكل مأساة،وفي الثانية كمهزلة.الماساة / المهزلة هذه الايام ان يتقدم الصفوف من جاؤوا بالصدفة المحضة،او الخديعة الصارخة.هؤلاء تصّدروا المشهد،وحملوا مفاتيح المستقبل.انها الكارثة المحققة التي تحدث عنها التاريخ في ابشع فصوله.علتنا الكبرى في النخبة،و الحرس القديم اللذين ضربا ستاراً حديداً على الثروة والسلطة والنفوذ.فيما البناة الحقيقون،عشاق الوطن، انسحبوا للظل،وآثروا الصمت،لان الطبول الجوفاء تملأ الساحات بالضجيج،وتُحّلق في الخواء.انها لعبة الهرم المقلوب التي تستخف بالعقول،وتدفع العقلاء لارتياد مسرح اللامعقول،لفهم ما يدور وما لا يدور.

*** وقال لي المحنك العجوز: في هذا الزمن العقيم، يتكاثر فيه السياسيون وتغيب السياسة. ينشطر الاداريون بمتواليات هندسية كالأميبا و تسقط الادارة.ينبري للاصلاح من هم احوج الناس للاصلاح.السياسية و الادارة و الاصلاح تحتاج الى قرآءة ودربة وتجربة وصبر وجهد و اخلاص وطهارة كف وعفة لسان،وعلى راس كل ذلك تاريخ سياسي مشرف و سجل اداري نظيف قبل الدخول الى هذه المعتركات الشائكة المزروعة بالالغام.و الا فالنتيجة الحتمية فقدان التوازن ثم السقوط. لان فاقد الشيء لايعطيه .هذا الخراب لغياب وتغييب "الرجل المناسب في المكان المناسب.مما دفع الادعياءالى دخول الادارة والسياسة من باب الكذبو الشعوذة .اخطرهم من كانوا موضع شك وريبة حيث اجتازوا المتاريس،ودخلوا الابواب الخلفية باسلحة لا اخلاقية.

*** وقال لي المثقف الشاعر:واجب المثقف ليس حشو عقله بالافكار، وشحن غيره بالمعلومات،والتفاخر بالفصاحة والبلاغة بل الدفاع عن الناس والتصدي لمنظومة الظلم بما اوتي من ادوات فكرية ونضالية.المخجل سكوته المريب، عما يسمع من فضائح و يرى من فواحش،لكنه لا يتوانى عن الدفاع عن السلطة وتبرير اخطائها وخطاياها ليحظى بمغنم او موقع.هذا هو المثقف الخانع التافه الذي يزيف الواقع من اجل "حفنة من فضة ونحاس"،فيما المثقف الحقيقي هو الذي يدافع عن عذابات الناس،وينقل همومهم للسلطة،ويحارب باناشيده ولوحاته وقلمه واغانيه الظلم الظاهر والمستتر. هو بطبعه المفطور عليه، يرفض الاقامة في المنطقة الرمادية.لانه لا موقف بين موقفين،ولا مكان بين مكانين،فاما ان تكون مع الناس او ضدهم.

*** وقال لي: هل تعرف تجار الوطنية و اهل الباطنية: هم حفنة من المرتزقة لا وجود للقيم في قواميسهم،ولا للمبادئ في سلوكياتهم. هؤلاء لا يعرفون الا انفسهم،لا يرون في مرايا الوطن الا وجوههم.هم المرضى "النرجسيون" عشاق ذواتهم.يكسبون الملايين من الوطن ويتكسبون على ظهر الوطن. تراهم يتحدثون عن مشاريعهم الشخصية بمباهاة طاووسية،لكنهم لم يفكروا يوماً في تنفيذ مشروع خيري يخدم اهلهم الفقراء في مساقط رؤوسهم،او تشييد مدرسة متواضعة بدلا عن تلك الآيلة للسقوط على رؤوس اقاربهم،ولم يخطر في خاطر احدهم، تقديم جهاز طبي حديث لمركز طبي في منطقة نائية.هؤلاء اثروا على حساب الوطن ثم اداورا ظهورهم له.العنهم في السر والعلن،كما تلعن "ابو جهلٍ و ابو لهب".

*** وقال لي ارايت اولئك الذين يعتلون ظهر القانون،ويعتقدون انهم محور الكون، لولاهم لكان الوطن في خبر كان.اولئك هم الكذابون. صلاحياتهم انتهت،وتاريخهم يجب ان يقذف في مواقد الفقراء التي وقودها العيدان و الاخشاب والنعال القديمة.فالوطنية امانة لكنهم اهل خداع وخيانة،لانهم مستعدون ان يحرقوا وطناً ليشعلوا سيجارة،ويجروا مياه الديسي العذبة ليملأوا مسابحهم كي يغسلوا ادرانهم،وهم مستعدون لاصطياد العصافير الجميلة الوادعة في حقولها، ليزينوا مساكنهم..السنتهم تتغير كما جلد الحرباء،فلكل مناسبة لون.هم مثل الماء،مواقفهم تاخذ شكل الاناء الذين يقيمون فيه.هؤلاء اعداء الوطن فاحذرهم.

*** وقال لي : اعلم علم اليقين،ان لا ابداع من دون نقد،و لا ديمقراطية بلا معارضة حقيقة لا صورية ،و اذا انعدمت الحرية تيتمت المعرفة،و تقزمت الثقافة.فالرقيب يملك روح قناص. متعته مطاردة المبدعين و اجهاض مواهب المتفوقين.فرحته لا تكتمل الا بمحاصرة الكاتب ومنع الكتاب .فهو بالمفهوم السيكولوجي، رجل مريض بالفطرة يرتدي نظارات سوداء من القرون الوسطى،و يستل افكاره من ذاكرة شوهاء.

*** وقال لي:ان الضربات القاصمة على راس الاحزاب،وقفل مقارها بالشمع الاحمر،بعثت الرعب في الوعي الجمعي للعامة،و ما جرى للحزبيين من اعتقال ومطاردة ومنع توظيف وسفر وقطع ارزاق، ادى الى كارثة توعوية،فبدلاً من بناء روح الامة سياسيا وثقافياً وفكرياً لزرع المعرفة،وفتح البصر والبصيرة على فضاءات العلم والنور، وبلورة مجتع مدني عصري.استغلت الفراغ عائلات حكمت البلد بالوراثة،وهيمنت على مقدرات الوطن،و راكمت ثروات خيالية. هذه الاوضاع اللاطبيعية فرخت عبر عقود ستة، طبقة من البلطجية و الزعران والناقمين ظهرت اعراضها اليوم.المفارقة، ان النظام كان يلوذ بالعشائر ساعات الضيق. ما يحدث العكس، ان عشائر معان تهدد الحكومة بالعصيان المدني،و انشاء مجموعات شعبية لحماية لحماية الاهالي من الخارجين على القانون.كذلك فعلت عشيرة العبيدات في اربد لحماية الناس من سطوة اصحاب الاسبقيات.

*** وقال لي الشيخ الطيب:الاقليمية،الطائفية،المذهبية،الجهوية،المناطقية فيروسات قاتلة تدمر الجهاز المناعي للوطن، وتمزق النسيج الوطني،وتضرب الوحدة الوطنية.يكون فيها نهاية الامة.و اياك من التفرقة فانها صنو الزندقة.انظر من حولك الى الامم المتماسكة رغم شروخهم القاتلة.هاهم اليهود يصنعون طائرات بلا طيار ويُصّدرون التكنولوجيا بالمليارات. ايران تدخل النادي الدولي النووي خطوة خطوة، وهاهي تعيد مجد امبراطورية فارس.تركيا هي الاخرى، اصبحت دولة عملاقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً،تسعى حثيثاً لتحقيق حلم الامبراطورية العثمانية.اما نحن فاننا مشغولون بالمنابت و الاصول والفروع والغصون والجذوع والمشاتل و المساكب تماما مثل اهل القسطنطنية الذين انشغلوا بجنس الملائكة في حين كانت مدفعية محمد الفاتح تدك حصون مدينتهم،وتجز السيوف رؤوسهم. ما يدمي القلب ويسحق الروح ان اهلنا في الجوار يتقاتلون مذهبياً وطائفياً واثنياً و جهوياً و مناطقياً فيما تناسى الغارقون بالدم والفتنة قول الله تعالى"ان هذي امتكم امة واحدة،و انا ربكم فاعبدون". وقوله تعالى :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".

*** وقال لي الشاعر الفيلسوف:المسرح مكشوف،"وحارتنا ضيقة"الدار لصيقة بالدار،والجدار على الجدار. نعرف بعضنا بعضا.فالمُلقن لم يعد خافياً ولا غامضاً ـ مثل ايام زمان ـ، ودهشة المفاجأة فقدت بريقها،اما الممثلون فهم تافهون مملون،لكن المفاجأة الصادمة انهم ساذجون ايضا،وهذا ما زاد الطين بلة.لذلك تناقص الاقبال على المسرحية وشباك التذاكر ليس من احد يمد يده لالتقاط تذكرة،ولم يبق من اهل الولاء والانتماء الا الفئة الصابرة المرابطة التي تحمل على اكتافها توابيتها لا احلامها. قلت ايها المربي الفاضل: اين اقف ،وفي أي صف اكون. قال: قف في ارض الوطن وابعث جذرك في ترابه وكن في صف المواطنيين واحمل معهم همّ السوال الملحاح المؤرق الذي ارقني ومازال يؤرقني: "كيف لهذا الاردن الاحلى و الاغلى أنْ يبقى،يَنْقى،يُحمى،من شر الاشرار" ثم ذاب في الكلمات؟.
مدونة الكاتب الصحفي بسام الياسين