سقوط شجرة نمر بن عدوان
ذات زمان بعيد مرّ الراحل الحسين رحمه الله من جهة شمال عمان وشاهد شجرة هناك أطلق عليها الناس شجرة «أم العروق» وكانت عرضة للعبث أو قد تكون نهايتها رسمت آنذاك من قبل الحطابين، فأمر بوضع سياج حولها لحمايتها من العابثين، وما زالت محمية وتشكل منظرا جميلا في جهة شفا بدران باتجاه بيرين.
الدكتور المؤرخ محمد عدنان البخيت أراد يوما في منتصف تسعينيات القرن الماضي أن يوثق الأشجار المعمرة في الأردن، فخصصت مجلة البيان الثقافية في جامعة آل البيت محورا لذلك، وراح المصور وفريق المجلة يومها يوثقون الأشجار في عجلون والكرك واربد والبادية وغيرها من الأمكنة، وقصة الأردن مع الشجر المعمر طويلة تمتد إلى زمن النبي الكريم عليه أفضل الصلوات حيث تذكر شجرة القينوسي الموجودة في البادية والتي يقال أنه استظل بها، وقبل أعوام وقعت احد أشجارنا المعمرة في اربد من نوع القينوسي في لواء الكورة. وعمرها نحو سبعمائة عام، وقامت الوزارة فيما بعد بإعادة نصب الشجرة.
اليوم طالت يد العبث والبحث عن الحفائر شجرة معمرة في مقبرة شفا بدران حيث قبر الشاعر نمر بن عدوان، ويزيد عمر الشجرة بتقدير المختصين عن الثمانية قرون، ومعها شجيرات أُخر أقل عمراً. لكن البقية الباقية منها معرضة للعبث لكي تنتهي إلى حطب تلتهمه ألسنة النيران.
ما يؤكد ان المسألة ليست نهاية طبيعية للشجرة الكبيرة في مقبرة نمر بن عدوان، أن شجرة أخرى موجودة بالقرب منها تمت عملية الحفر بجانبها في أسفل جذعها، وحسب ما يؤكد الصديق مفلح العدوان الذي رافقته لمعاينة وضع الشجرة صباح أمس السبت، هو أن الغاية البحث عن الكنوز، وهذا ما يهدد بقية الشجر المعمر هناك.
المسألة ليست في شجرة لا تبقي ولا تذر، لكنها في رمزيتها الثقافية والبيئية، ومعناها العام، ولذلك اتصلنا بأمين عمان، وكانت استجابته سريعة بتفهم الموضوع، وتابع معي المهندس ياسر العطيات ثم مدير الحدائق في الأمانة، ومع ذلك، لا أعرف إن كان هناك تصور للحل قد اتفق عليه. فإما ان يعاد نصب الشجرة بعد رفعها، او أن تنقل إلى دوار يقع شمال المقبرة بقرب مسجد محمود الحجاج. أو في مكان بارز على طريق المطار الجديد، وذلك جزء من الحل ولا أظن انه كل الحل.
ما هو مهم عدم التأخر، فلدى ابلاغ رئيس التحرير الزميل محمد حسن التل سارع لإرسال الزملاء للتثبت والتحقق، لأنه يدرك ككل مثقف أن الأرض يمكن الحفاظ على عروبتها ورمزيتها بعد، مهما كانت ملامح الضياع في الهوية الثقافية في الزمن الصعب الذي نعيش.
وعلى وقع تنبه الإعلام، وخشية وصول الحطابين ليلا لتقطيع الشجرة، يظل الأمل بسرعة الإجراء من قبل أمانة عمان لإنقاذ الرمزية الثقافية لما تبقى من هوية الأرض والكلمة والروح والعشق العذب الذي ظل عنوان نمر بن عداون يشدو به ويعدنا باستمراره.
مهند مبيضين