العم جبر

العم جبر

لم يعد يحتمل ضيقة الحال وضعف الحيلة ، وقد مل من عبارات "بتنفرج ، وهونها ، وبدها صبر" ، لم يعد يحتمل صوت طرقات الدائنين على بابه ، لذا قرر أن يهيم على وجهه هربا من هذا الواقع المؤلم.

تلصم في شماغه في عتمة الليل ، وخرج غير مهتديا لمكان ، وصار يتنقل من قرية إلى أخرى ومن مكان إلى آخر وقدماه لا تعرف إلى مستقر له بوصلة.

قادته قدماه الهزيلتان إلى قرية عجيبة ، يحيط بأطرافها مقبرة كبيرة ، فتوقف عند إحدى القبور ليقرأ الفاتحة ربما على روحه أولا قبل تلك الروح التي تسكن ذلك القبر ، نظر إلى شاهد القبر فوجد العبارة التالية " المرحوم فلان الفلاني توفي عن عمر سبعين عاما وقد عاش ثلاثة سنوات" ، أصابته الحيرة ، فنظر إلى قبر آخر فوجد العبارة التالية " المرحوم فلان الفلاني توفي عن عمر خمسة وخمسون عاما وقد عاش سنة وثلاثة أشهر " ثم نظر إلى قبر آخر وآخر ، كلها على هذا الشكل ، فلان الفلاني توفي عن عمر .... وقد عاش سنتين أو ثلاثة أو بضعة أشهر .

تعجب من هذه المقبرة وهذه القرية العجيبة ، الغريب أمر موتاها قبل أحياءها ، في هذه الأثناء صادف رجل يقترب منه ، فركض إلى ملاقاته ليسأله عن أمر هؤلاء الموتى عله يهتدي إلى فهم تلك العبارات المكتوبة على شواهد القبور.

أخبره الرجل بأن العادة جرت في هذه القرية بأن يتم حساب أيام السعادة والهناء لكل واحد من أبناء القرية منذ لحظة ولادته وتسجيلها في سجل خاص وعندما يموت ذلك الشخص يكتب على قبره عمره الحقيقي إضافة للعمر الذي قضاه سعيدا وهادي البال ، فهذا مثلا عاش ستين عاما ولكن أيام سعادته كانت سنة وخمسة أشهر.

حل العم جبر لصمته وقال للرجل متنهدا .... " يا عمي أنا شكلي مش مطول وشكلي رح أموت في قريتكم ، على كلا بس أموت أمانة أكتب على قبري ... قبر العم جبر من بطن أمه للقبر.

أنا لا أحاول سرد قصة ما قبل النوم بقدر ما أريد أن أصف حالنا الذي بات كحال العم جبر.


المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com