د. محمد ذنيبات...شكراً !


اذا لم تضرم النار في حروفك،وتشعل الحرائق في سطورك لتحرق اصابع من يقرأك حتى يستشعر حرارة جهنم تسري في كيانه من مقالتك،فالاجدر بك ان تنسحب من المشهد،و تتوقف عن الكتابة،وتبحث عن مهنة اخرى تليق بك وتليق بها،لان الكلمة امانة، قاتل الشرفاء من اجلها،وخان شرفها الادعياء.

*** ما حدث في امتحان التوجيهي فضيحة وطنية،وجريمة علمية معيبة يندى لها الجبين.و اي محاولة لتبريرها جريمة اكبر منها لانها دفاع عن الغش وتسويق له.فالعلم له قدسيتة،وللوطن هيبته،وللتوجيهي عفته،اما الاعتداء والتطاول والتجاوز على هذه الاقانيم الثلاثة، هو اعتداء على هيبة الدولة،وتدنيس لقدسية العلم،واغتصاب لعذرية التوجيهي. هذه الجرائم غير قابلة للتعريف لغوياً لبشاعتها،رغم تكييفها قانونياً. الغشاشون يعانون ازمة قيم ونقص تروية في الولاء والانتماء،لهذا فهم مع الفوضى،و ضد مفهوم الدولة ؟! .

*** الجانب الاخلاقي هو الاهم في الغش الذي وصل الى النقطة الحرجة، باشتراك ذوو بعض الطلبة "اباء و امهات و اخوان و اصدقاء"، اضافة لشرائح اخرى تحمل شهادات عالية، يفترض ان تكون قدوة، وحارسة للعلم والتربية، لكنها للاسف سقطت اخلاقياً واجتماعياً،عندما انخرطت في العملية اللوجستية للغش،بتمرير الاجوبة للقاعات بطرق غير مشروعة .فالاخلاق كما يقول: ابن خلدون:لا تنتقل بالدم ولا بالتوارث الجيني،لكنها بالقدوة والمثال،و للاسف كانت القدوات فاسدة.

*** التغيير هو الاصل، والثبات هو الاستثناء،بينما اجترار الماضي، ولي العنق للوراء هو التخلف،والمجتمعات المصابة بحالة كساح هي وحدها التي لا تقوى على المشي للامام،حيث تبقى متخندقة في موروثاتها القديمة .والحمد لله ان مجتمعنا متحرك،اذ اننا نعيش مرحلة تحول. في هذه المرحلة ليس عيباً ان تصاب الافكار والثقافات و السلوكيات باهتزازات وارتجاجات تطيح بكثير من القناعات السابقة والمسلمات السائدة التي ثبت بطلانها وعدم مواكبتها للعصر، لانه لا حصانة لفكر او ثقافة او شخص امام النقد البناء،فكثير من التابوهات سقطت امام ضربات العلم التي تعتمد الحقائق و الارقام بعيداً عن الاساطير والاعتقادات السخيفة.

*** نعم، نحن بحاجة الى الف ثورة تغيير.ثورة بناء لا هدم،ثورة نقد لا تجريح،ثورة على الرذيلة لا الفضيلة،ثورة على الخيانة لا الامانة. فحالة الانتقال التي نمر بها لا تعني ان ندوس القيم ونتجاوز الخطوط الحمراء الاخلاقية ،و ندعس المحرمات،ونتخلى عن المبادئ التي استودعها الله فينا،اذ تصبح حالنا كحالة الفتاة التي تخلع ملابسها وحياءها بذريعة التمدن و مواكبة العصر.

*** نحن احق الناس بحمل المسؤولية،وقيادة العالم بما حبانا به الله من حضارة ضاربة الجذور في التاريخ ،ودين حنيف ملأ الدنيا نوراً وعدلا.هذا الدين بعظمته يمكن اختصاره وتلخيصه بجملة واحدة "ايمان بالله واستقامة في السلوك".لهذا لا يمكن ان يسمو مجتمع ما لم يتّخلق بخلق الامانة،فعكس الامانة الخيانة.وليست الامانة حفظ المال فقط ،بل تنسحب على التجارة و الامارة والعلم والطب والمحاماة والتعاملات اليومية وعلاقة الزوج بالزوج،والموظف بالوظيفة،والطالب بدراسته،والمواطن بالتزاماته،والتاجر بالتسعيرة والطالب بامتحان التوجيهي.العبادة ما لم تقترن بحسن السلوك،فانها تصبح مجرد طقوس، حيث يقول رسولنا الحبيب: اقربكم اليّ يوم القيامة احاسنكم اخلاقا!.غير ذلك مجرد ذرابة لسان،وصناعة كلام وثقافة حكي

*** الغش في التوجيهي خيانة وطنية،وبيع الغذاء الفاسد خيانة،وحرق الاحراش للحصول على بضعة اكياس فحم خيانة،وتحطيم المرافق الحكومية خيانة،وتهشيم السيارات المركونة في الشوارع،وتفجير اطاراتها خيانة،ونهب المال العام خيانة،وسرقة الماء خيانة،والكتابة التي لا تبغي وجه الله و الوطن والمواطن خيانة،والتهرب الضريبي خيانة،و التفلت من الواجب الوظيفي خيانة،والتلاعب بتواريخ صلاحية السلع خيانة،والاتجار بالدواء المقلد خيانة،وتزوير الشهادات خيانة......!. لذلك آن الاوان لفتح ملفات الاختلالات المجتمعية الداخلية،وكشف الغطاء عن الواقع المسكوت عنه.فكما فتحنا ملفات الدولة و لم تسلم شخصية فيها من سهام النقد والتجريح،يجب تناول هذه الافات القاتلة التي اهدرت القيم وحطمت جوهر الانسان،من اجل فضح ابطالها المنحطين،وسلوكياتهم السوقية. هنا نستذكر قولة شيخنا المرحوم محمد الغزالي :إن وجهي يَسّود حين ارى العمل يخرج من يد الكافر متقناً جيداً،ويخرج من يد المسلم مشوهاً رديئاً،وقولة الشيخ الامام محمد عبده :في الغرب وجدت اسلاما ولم اجد مسلمين،وعندما عدت لبلادي وجدت مسلمين ولم اجد اسلاماً.فمن منا يُنكر القولين.
*** الدولة جزء من المشكلة وصانعة لها،وهي تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية،اذ ان تغييب الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية،لاكثر من ستة عقود،و احلال الاحكام العرفية ومطاردة السياسيين، وزج الحزبيين في السجون،والسيطرة المطلقة على الاعلام،و اطلاق الحرية للاقلام الرخيصة،وتكميم الاصوات المعارضة،وغض الطرف عن المحسوبية والواسطة وغيرها من صنوف القمع .عوامل ساهمت في بحث الفرد عن مخرج لنفسه،وتامين ذاته بكل الوسائل المشروعة و اللا مشروعة، والهرب من روح الفريق والجماعة،نتج عنها تدمير الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.ولا عجب في الزحف المسلح على قاعات التوجيهي لتغشيش الطلبة لان كل واحد يتبنى شعار "انا وبعدي الطوفان".الانكى ان الغش لم يتوقف هذه الايام عند التوجيهي والسلع التجارية، بل تعداه للقيم الجمالية ليصل الى صدور وشفاه الفتيات المحشوة بالسيليكون.

*** في احدى وصايا مكيافلي مؤلف كتاب الامير ينصح "اميره" باتباع كل وسائل الرذيلة الممكنة من غدر وغش واحتيال للوصول الى هدفه ضاربا عرض الحائط بالقيم والمُثل و الاخلاق، في حين نرى شيوخنا الاجلاء و علماءنا الافاضل يدعون للتمسك بالفضائل والاحتكام الى العقل ـ صوت الحكمة ـ ، و الاصغاء لصوت الضمير ـ نور الله وبوصلة الحق ـ. فالنجاح المالي والعلمي والاجتماعي من دون الخضوع لمعايير اخلاقية سقوط محقق.فالغشاش مهما بلغ من المكانة والثروة ستبقى تطارده اللعنة وتحاصره الفضيحة الى يوم يبعثون.

*** نختم بالقول: شكراً د. محمد ذنيبات لانك اهديت لنا عيوبنا،و نشرت غسيلنا "المبلول" لتضربه الشمس والريح كي لا يتعفن،وكشفت اوراقنا المخبوءة على العلن بالصوت والصورة لتكون حجة علينا لا لنا،واعدت للغافلين الحضور البهي للحديث النبوي "من غشنا ليس منا"...ايها النقي الصافي نعرف مسبقاً ان مهمتك ثقيلة،ولكنك نجحت بمؤازرة نقابة المعلمين والخيريين من ابناء الوطن،وما فعلته هو خطوة بطولية رادعة وكاشفة تستحق الاحترام،تحسب لك وتُسجل في تاريخك الناصع.

*** تُرى من هو المسؤول الجسور التالي الذي سيحذو حذو الوزير الشجاع الذنيبات، وينزع ورقة اخرى من الاوراق التي تستر ما بقي من عُرينا ؟!.
مدونة الكاتب الصحفي بسام الياسين