مظاهر احتفالية نوعية
احتفالان شهدتهما عمان هذا الأسبوع، استأثرا باهتمام الأوساط السياسية والإعلامية والجماهيرية، وكان لهما حضور مميز، ذا نكهة سياسية تحمل دلالة الاهتمام الوطني والقومي، في ظل مناخات ساخنة مدمرة مبعثرة، فرضت نتائجها على تغيير الأولويات الوطنية والقومية، في البلد الواحد، العراق وسورية ولبنان وليبيا ومصر، وعلى المستوى العربي برمته، دفعت المواطن العادي للتوهان الوطني والقومي، ونحو اليأس، خاصة مع اشتداد وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة بالغلاء وسوء الخدمات وتدني الأمن وتفشي البطالة واتساع جيوب الفقر وغيرها من العوامل المحفزة للعمل والنضال لاسترداد الحقوق.
ولكن ظواهر تغيير الأولويات، وضعف بنية الأحزاب الواقعية، وغياب الديمقراطية، وفقدان تقاليد العمل الشعبي السلمي الديمقراطي التراكمي، أفقدت العمل والنضال الجماهيري المدني، دوافعه وأهميته، وصولاً إما للتطرف كما هو حاصل في الخراب والتفجيرات الدامية في العراق وسورية ولبنان ومصر وليبيا، أو الاستسلام للواقع المهين كما هو حاصل في البلدان العربية الأخرى، انتظاراً لعوامل مستجدة أفضل، ومحفزة أقوى.
من هنا قيمة ما شهدته عمان أولاً مظاهرة التوقف والاحتفال بذكرى إعدام صدام حسين، الذي قام به مجمع النقابات المهنية في عمان يوم 30/12/2013، حيث أعاد الحضور والكلمات والاهتمام بقضيتين:
الأولى: القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية الأمة والعرب الأولى، وكان ذلك بارزاً في كلمة عريف المهرجان وأمين عام المجمع فايز الخلايلة، وكلمة أمين عام حزب البعث العربي الاشتراكي أكرم الحمصي، وفي هتافات الجمهور المتحمس من النقابيين الأطباء والمهندسين والمحامين والصحافيين وغيرهم.
والثانية: القضية القومية وترابط العرب مع بعضهم البعض، وإعادة التأكيد على المفاهيم والمعايير والرؤية القومية التي نفتقد الحديث عنها هذه الأيام، بعد حالة التفسخ الوطني في البلد العربي الواحد بين الطوائف والقوميات والديانات، بعيداً عن روح المواطنة والشراكة، وافتقاد الترابط القومي غير المتعصب، فجاء الاحتفال بأحد رموز التيار القومي، ليُعلي الاهتمام والتركيز على المسألة القومية وضرورتها.
أما المشهد الآخر الذي شهدته عمان يوم 1/1/2014 وقامت به لأول مرة الأحزاب اليسارية والقومية، فهو الاحتفال بالذكرى التاسعة والأربعين لانطلاقة الثورة الفلسطينية في الفاتح من كانون الثاني 1965، ذكرى إشهار حركة فتح وتنفيذ قواتها العاصفة العملية الكفاحية الأولى.
الاحتفال بالمناسبات الفلسطينية بالأردن، عادة سياسية وجماهيرية متأصلة وثابتة ومتكررة، ولكنها المرة الأولى التي تبادر فيها الأحزاب القومية واليسارية لتشكيل لجنة وطنية أردنية للتضامن ودعم الشعب العربي الفلسطيني، في يوم انطلاقة ثورته الوطنية وتحتفي بها، وتشكلت اللجنة من الأمناء العامين للأحزاب الأربعة: عبلة أبو علبة أمين عام حزب الشعب الديمقراطي الأردني، ومنير حمارنة أمين عام الحزب الشيوعي الأردني، وأكرم الحمصي أمين عام حزب البعث العربي الاشتراكي، وفؤاد دبور أمين عام حزب البعث التقدمي، ومعهم نجيب القدومي أمين سر حركة فتح في الأردن، والمهندس قاهر صفا رئيس هيئة المكاتب الهندسية الأردنية، وشخصيات حزبية ونقابية ومستقلة، بمثابة لجنة العمل عن لجنة وطنية واسعة، أعادت التأكيد على أن فلسطين وقضيتها في صلب اهتمامات الأردنيين ونوابهم وأحزابهم ونقاباتهم وشخصياتهم وفعالياتهم، لسببين رئيسيين، أولهما ارتفاع درجة الإحساس بالمسؤولية وطنياً وقومياً لدى الأردنيين في دعمهم وإسنادهم للشعب العربي الفلسطيني على أرضه ودعم صموده، ومواصلة نضاله في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وثانيهما ارتفاع درجة الوعي الأردني بخطورة ما يجري في فلسطين وانعكاسه على الأردن، خاصة في ظل انشغال وتمزق الوضع في البلدان العربية الثلاثة مصر وسورية والعراق، فالخطر الإسرائيلي على فلسطين له امتداداته السلبية على الأردن، ولذلك فعلى الأردنيين أن يقوموا بواجبهم بدعم الشعب الفلسطيني وإسناده، ليس فقط من باب الواجب القومي نحو فلسطين، بل لحماية الأردن أولاً، من مخاطر مستقبلية، عبر عنها طاهر المصري راعي الاحتفال، وفي كلمة منير حمارنة التي ألقاها باسم الأحزاب اليسارية والقومية الأردنية المشاركة والداعمة للاحتفال الفلسطيني.
عباس زكي، الذي ألقى كلمة منظمة التحرير والثورة الفلسطينية في الاحتفال الأردني باليوم الفلسطيني، كان واضحاً في تقديم إجابات للتساؤلات الأردنية، ومحاولات تبديد القلق الأردني من سير المفاوضات ونتائجها الضاغطة على مطبخ صنع القرار الفلسطيني، وأكد على ما يلي:
1- رفض القيادة الفلسطينية ومن ضمنها حركة فتح "لأية حلول سياسية لا تُلبي طموحات شعبنا وحقه بالحرية والاستقلال، ورفضها لأية حلول جزئية أو انتقالية أو مؤقتة، من شأنها إطالة عمر الاحتلال الإسرائيلي.
2- دعوة حركة حماس إلى مراجعة مواقفها، والمبادرة إلى التراجع عن الانقلاب وإنهاء الانقسام لاستعادة الوحدة .
3- عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية سواء في سورية أو لبنان أو مصر أو غيرها، وعدم تحميل الشعب الفلسطيني المزيد من المتاعب والمصاعب والمعارك الجانبية.
4- ننظر للمفاوضات، باعتبارها شكلاً من أشكال العمل لاستعادة حقوق شعبنا، وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وحل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار 194.
احتفال مجمع النقابات المهنية بذكرى رحيل صدام حسين، واحتفال الأحزاب القومية واليسارية الأردنية بذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية، روافع سياسية ومعنوية مطلوبة وضرورية في ظل حالة الانتكاس والتراجع العربي، في ثورة الربيع العربي.
h.faraneh@yahoo.com