هوس السلطة في الأردن


آلاف السير الذاتية ترسل لصاحب القرار من أجل التعيين في مجلس الأعيان وأعداد كبيرة منها ترسل لرئيس الوزراء المكلف من أجل الظفر بمقعد وزاري, وآلاف المرشحين لمجلس النواب والبلديات والغرف التجارية والنقابات والروابط والأحزاب والجامعات وغيرها ,ومن أجل تلك المناصب والمكاسب تنفق ملايين الدنانير وتقام العزائم والولائم,وتبرم الصفقات والمقايضات وتقدم التنازلات لإزاحة أحدهم وتثبيت آخر , حتى العواطف والمشاعر الإنسانية تم التخلي عنها في سبيل السلطة ,فالزواج من ابنة أو شقيقة مسؤول ولو كانت قبيحة المنظر يمنحك المكانة الرفيعة والحصانة بكل أنواعها, وعند خروج بعضهم من السلطة ينقلبوا على الوطن والنظام, ويبدأوا بكشف المستور,ويأخذوا بالحديث عن الخراب والفساد الذي يغرق الوطن,ويبقى علينا معرفة حجم الجلطات والكآبة وانفصام الشخصية والهوس التي تصاحب ترك السلطة.
من المؤسف والمخجل والمحزن أن أولئك الذين يقدمون سيرهم الذاتية ويعتقدون أنها بطولها جديرة في خدمة الوطن,لا يدركون أن لو كانت كذلك فإنها ليست بحاجة للتسويق أو الاستجداء أو التنازل.
حتى العمل التطوعي الذي يجب أن ينبع من فطرة صادقة لم يسلم من شغف السلطة وهوسها ,فيتم تضمينه للسير الذاتية لتعزيز الحصول على مكسب أو مغنم أو يتخذ طريقا لتحقيق المصالح الخاصة.
إن المشاركة الشعبية في صنع القرار ضرورة ملحة والعمل العام وخدمة الوطن والمواطنين هدف سام,لكن ما تشهده الساحة الأردنية من تهافت على المناصب و المكاسب وما يدفع في سبيل ذلك لا يمكن تفسيره حبا للخدمة العامة,ولو كان كذلك, فان طموحنا وأهدافنا سترتقي بوسائلنا للحصول على تلك المناصب وسنكرس ثقافة جادة وجديدة في هذا المجال.
قد تبدو بعض الممارسات في هذا المجال قانونية لكن هل هي أخلاقية ؟,اذن لا بد من مراجعة كاملة وشاملة لمنظومة العمل العام في المناصب والوظائف العليا في الدولة,وأهمها تخفيف الامتيازات والصلاحيات الممنوحة, وتعميق المؤسسية ,وتفعيل قيم العدالة والنزاهة ودور الرقابة والمحاسبة ,وتجذ ير الديمقراطية والابتعاد عن سياسة الاسترضاءات, وضخ دماء جديدة على أساس الكفاءة والاقتدار ,وان نحترم المسؤول لشخصه لا لوظيفته ,وان لا نحيطه بهالة أكثر مما يستحق , ويبقى على أصحاب السلطة أن يدركوا ان غالبيتهم يخرجوا من مناصبهم شعبيا بسواد الوجه وعدم الرضا.