· دولة جديدة في جوار الأردن!
· قبل سنة تقريبا، كان مسؤولون أردنيون كبار يرسمون على الورق خريطة دولة مفترضة يمكن أن تتأسس في جوارنا السوري والعراقي؛ دولة المتشددين والمتطرفين في العراق والشام، وتضم المحافظات السورية المحاذية للأردن، ومناطق الرمادي والأنبار في العراق.كان مجرد التفكير في هذا الاحتمال أمرا مرعبا. لكن ما بدا أنه سيناريو افتراضي، ها هو يوشك على التحقق في الواقع. كتائب "جبهة النصرة" تتقاسم مع "داعش" السيطرة على مساحات واسعة من محافظة درعا السورية وجوارها. وعلى بعد أمتار قليلة من الأراضي الأردنية، تتموضع طلائع "النصرة" التي تمكنت من تثبيت أقدامها في مراكز حدودية. ومع التراجع الكبير في حضور الجيش السوري الحر، تفرش "القاعدة" وأخواتها سيطرتها على معظم المناطق "المحررة" في سورية. والمواجهة اليوم لم تعد بين قوى النظام والفصائل المسلحة، بل بين "داعش" و"النصرة" تارة، وبين الشقيقتين و"جيش الإسلام" تارة أخرى.أما التطور الخطير الذي يقربنا من السيناريو أكثر، فهو سيطرة مقاتلي "داعش" على مناطق واسعة في مدينتي الرمادي والفلوجة العراقيتين. فحسب وزارة الداخلية العراقية، أصبحت نصف الفلوجة تحت سيطرة جماعة "داعش".المعارك محتدمة حاليا بين مقاتلي "دولة العراق والشام" من جهة، ومسلحي العشائر والجيش العراقي من جهة أخرى. لكن المؤكد أن أتباع "القاعدة" و"داعش" لن يتخلوا بسهولة عن المناطق التي سيطروا عليها، وقد تمتد المواجهات لأسابيع.إذا ما تمكنت "داعش" من الصمود في الفلوجة والرمادي، فإن فرصتها في التشبيك مع عناصر التنظيم في سورية تكون في متناول اليد. القوات التابعة لحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ستعتمد في حربها مع "داعش" على مسلحي العشائر. بمعنى آخر، ستضع القوى السنية في صراع فيما بينها، وتتخلص بذلك من ضغوط الشارع السني الذي يتحرك منذ أشهر على نحو سلمي.ثمة خصائص مشتركة بين ما يحدث في المناطق السورية والعراقية المحاذية للأراضي الأردنية؛ ضعف السلطة المركزية فيها، عداء الأغلبية من السكان للنظام السياسي القائم، وانفراد العناصر المتشددة في السيطرة والتحكم، لكونها الجهات الأكثر تنظيما وفعالية على الأرض؛ "داعش" و"النصرة" على وجه التحديد. وفي مواجهة هذه القوى، لا يوجد غير مقاتلين محليين، لا يملكون من القدرات القتالية والمالية ما يؤهلهم للتفوق على العناصر المتشددة.إنْ تطور الموقف على النحو الذي تخيله المسؤولون الأردنيون، فإنَّ الأردن سيكون أمام أخطر تهديد سياسي وأمني، يتجاوز بكثير التهديد الذي مثله إرهاب "القاعدة" في السنوات الماضية.وما يجعل الأردن على درجة كبيرة من القلق، هو أن دولة المتطرفين هذه ستكون تحت ضغط مذهبي "شيعي" من جهات ثلاث، وليس أمامها سوى البوابة الأردنية لكي تحافظ على مقومات وجودها. وستجد نفسها، حتى وإن لم تكن راغبة، مجبرة على التمدد وتوسيع قاعدة نفوذها صوب الأردن.ووجود مئات الأردنيين بين عناصرها المقاتلة، سيعزز الرغبة في مد نفوذ الدولة إلى مناطق أردنية محاذية. وما يقلق أكثر، وجود بيئة اجتماعية خصبة في أكثر من منطقة أردنية، تدعم فكر المتشددين ومشروعهم الديني.نحن في كل الأحوال أمام مواجهة محتملة مع قوى التشدد، تستدعي بناء شبكة تحالفات إقليمية ودولية واسعة. لكن قبل ذلك، الانتباه للجبهة الداخلية المنهكة و"المعطوبة" أخلاقيا وسياسيا واقتصاديا، وسط إقليم يغرق في حروب أهلية وطائفية، سنشهد تصاعدها هذا العام.