عن «إخواننا» وحماس
يتردد همساً، وفي العلن أحياناً، أن ثمة قرارا "إقليميا” بتصفية جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة برمتها، وان ما بدأ في مصر على شكل حملات ملاحقة وصولاً لإعلان الجماعة تنظيماً إرهابياً، سيتكرر في عديد من الدول، ومن بينها الأردن وفلسطين، أما دول أخرى (الإمارات على سبيل المثال)، فقد بدأت الحملة مبكراً، ووضعت الجماعة قضائياً في خانة التنظيم المارق، أو الإرهابي.
في السياق ذاته، تُستحضر "تلميحات” لمسؤولين مصريين و”تصريحات” لوسائل إعلام "متخصصة” بمناهضة للإخوان، تجد أصداءً فلسطينية "ببغائية” لها، تربط بين حماس والجماعة، ويرى القائلون بها إن الحركة الفلسطينية تواجه مفترقاً حاسماً، فإما أن تلعن "براءتها” من الجماعة الأم، وإلا فالمجازفة بالاندراج في "القائمة السوداء” ذاتها، وتحمل مقتضيات "الحرب على الإرهاب” ومندرجاتها... وكان لافتاً أن الإعلان عن مسؤولية الإخوان عن تفجير الدقهلية جاء متزامناً من "الكشف” عن تورط عنصر من حماس في محاولة استهداف مركز أمني في سيناء، لكأن هناك من يريد القول: إن مصر تخوض حربا واحدة على الإرهاب في ساحتين، مصر وغزة، وضد عدوين، أو بالأحرى عدو واحد، الجماعة والحركة.
في الأردن، ومنذ الثلاثين من حزيران/يونيو، بخاصة بعد سقوط نظام مرسي، خرجت علينا بعض الأصوات "الاستئصالية” التي تقترح علينا أن نحذو حذو مصر ... السماء أمطرت في القاهرة، وعلينا أن نرفع "الشمسيات” في عمان والكرك وإربد ... وفي ظني أن هذه الأصوات تنتعش بقرار الحكم المصري الجديد وضع الإخوان على لائحة الإرهاب في مصر، وهي تتطلع لأن ترى أمراً مماثلاً قد حصل عندنا هنا في الأردن.
مثل هذه المقاربات ليست فئوية وأنانية وضارة فحسب، بل تعد بكل المقاييس، لعباً بنار الفتنة والحروب الأهلية ... وهي تشكل تهديداً لأمن فلسطين والأردن على حد سواء ... وهي اقتراح بإشعال معارك جانبية مجانيّة، لن يستفيد منها سوى خصوم البلدين والشعبين ... وهي دعوات فاقدة للمنطق والحكمة، ولا تحتكم بحال لمفهوم المصلحة الوطنية.
والغريب أن بعض هذه الأصوات، تقترح في مكان آخر، الاصطفاف إلى جانب "النصرة” و”داعش” و”الجبهة الإسلامية”، وتضع هذه القوى في خانة "الثورة السورية”، بل تتخذ مواقف معادية من قوى الثورة السورية التي تنتهج طريقاً سلمياً في التعبير عن مواقفها، وترفض الانضواء تحت رايات النفط والأردوغانية، وتصف هذه القوى بأقذع الأوصاف ... من دون اكتراث لهذا التناقض البائن بينونة كبرى في خطابها ومواقفها.
حين نتحدث عن المصالحة الوطنية الفلسطينية بوصفها خيارا استراتيجياً، فإننا نعني مصالحة تشتمل على حركة حماس ... من دون حماس، لا مصالحة وطنية ولا "نصاب سياسي” مكتمل ... وعلى الذين يعومون على سطح الوقائع واليوميات المصرية أن يستيقظوا على وقع "المصلحة الوطنية العليا” لشعبهم، وأن يترفعوا عن الحسابات والمصالح الأنانية، وأن يقدموا رغبة شعبة على إملاءات داعميهم ومشغليهم في المنطقة.
وحين نتحدث عن "وحدة وطنية” في الأردن، فإننا نشير إلى شرطنا الوجودي الأول، والوحدة التي نمجدها جميعا ونتغنى بأهميتها كثابت من ثوابت الوطن والدولة والشعب والمجتمع، هي وحدة تتنظم الجميع ... والوحدة من دون "إخواننا” لا تكتمل وستظل فاقدة لـ "نصابها السياسي والديمغرافي” كذلك، فلا يلعبن أحدٌ بالنار إرضاء لحسابات ومطامح ضيقة، من فئوية وإقليمية وجهوية، أو تساوقاً من أجندات إقليم يتجه لفقدان عقله ومنطقه وحكمته.
الذي صرفوا بالأمس جل وقتهم وجهدهم في التصدي لفرضيات انتقال الربيع العربي إلى الأردن، هم أنفسهم الذين يقترحون اليوم تشريع أبواب الأردن لتداعيات ما بعد هذه الربيع، هم يوصدون الأبواب في وجه رياح يناير ويونيو ويقترحوا تشريعها أمام رياح صفراء تهب علينا عبر الصحاري المجاورة والبعيدة ... لفلسطين سياقاتها وأولوياتها، وللأردن سياقاته وأولوياته، وحذار حذار من محاولات استدراج "عروض الفتنة” واستجرار الخراب على البلاد والعباد، ونحمد الله أن "عقل الدولة الأردنية وتيارها المركزي” لم ينجرف وراء هذه الدعوات، لا في بداياتها ولا في خواتيمها.