أنصاف رجال الدين

 

يشكل العلماء و الأئمة والخطباء والوعاظ قادة رأي في الأمة ، ويعوّل عليهم كثيرا في تغيير المجتمعات وتوعيتها بأمور دينها ودنياها؛ فهم من أهم أدوات التنوير والتحفيز واستنهاض الهمم سواء في الرخاء أو الشدة ، فقادة الرأي هم الأكثر تأثيرا على سلوك الآخرين،وذلك لتميزهم من نواح مختلفة، ومع الإقرار بتراجع دور قادة الرأي كالمخاتير والشيوخ والمصلحين وغيرهم في المجتمعات إما بفعل مقصود من الأنظمة أو بسبب الثورات الاتصالية المتلاحقة وما صاحبها من عولمة، إلا أن رجال الدين الصالحين يحظون بشرعية دينية تميزهم عن غيرهم فوحدهم هم من يملك التاثير.

من ينظر اليوم في واقع الأمة، يلمس غياب أثر أهل الدين أو تغييبهم، وتصدّر الجهال مكانهم، مما زعزع الثقة بهذه الفئة، وأخذ تأثيرها يتراجع، وهذا يحتاج إلى صياغة هذا الأمر في مشكلة بحثية علمية، للتحقق من الدور المنوط بها، ومعرفة مدى تأثيرها على العامة.

ولعلّ السؤال الأبرز للوصول إلى الحقيقة يتمثل في معرفة حقيقة علماء الأمة وأئمتها في الوقت الحالي فهل هم صناعة أنظمة؟ أم هل تم تقليص دورهم أو إبعادهم ، وفي كلتا الحالتين هل يملكون التأثير الكافي لإقناع الناس برسالتهم ، وينبثق عن هذا أسئلة فرعية أبرزها ؛ هل هؤلاء الأئمة صناعة ضعيفة خابت في تحقيق أهداف من صنعها، وفقدت تأثيرها في الرخاء والشدة، وهل تم إقصاء العلماء والخطباء الصادقين وتصنيع بدلا منهم حتى أضروا بالأنظمة والشعوب أكثر مما أفادوها ؟ وهل التنافر والتعارض في المواقف والفتاوى التي ظهرت بعد الربيع العربي نتاج لتلك الصناعة.

إجابة هذه الأسئلة تشير إلى مدى قناعة الناس برجال الدين واتخاذهم كقدوة صالحة، ولعل إجراء دراسات لبيان مدى تأثير الخطباء في المصلين في خطبة صلاة الجمعة ؟ ومدى تأثير مقدمو البرامج الدينية وضيوفهم على الناس يعطي إجابة دقيقة لذلك .

فلا يقبل مثلا من أحدهم ان يفتي ويحلل ويحرم ويتحدث في أمور الدين وهو لا يصلي الجمعة في المسجد أو التراويح في رمضان ، وعندما تتاح له الفرصة ويعتلي المنبر يوبخ الساهين عن الصلاة ، ويتحدث عن فضل صلاة التراويح وعن العدالة والمساواة، وهو في عمله يمارس نقيضهما فإذا كان مثل هذا غير مخلص وصادق مع الله فكيف سيكون مخلصا لوطن أو لنظام.

يقول الإمام عبد الله بن المبارك وغيره من السلف: "صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس. قيل : من هم؟.. قال: الملوك والعلماء".

نهاية القول لا بد من مراجعة كاملة وشاملة لهذه الفئة من قادة الرأي ووضع شروط معيارية لمن يتبوأ الإمامة والمكانة العلمية الدينية، فالحاجة إلى القدوة الصالحة حاجة ملحة وضرورية وعلينا أن ندرك أن أنصاف العلماء والأئمة لا يخدمون شعوبا ولا أنظمة "فالمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف" .

ولعلّ رسالة عمان قد أشارت إلى النموذج الذي نريد من هؤلاء العلماء والأئمة .