الضعف الإسرائيلي
يملك المشروع التوسعي الإستعماري الإسرائيلي ، ثلاثة عوامل قوة تتمثل بما يلي :
أولاً : قدراته الذاتية السياسية والعسكرية والإقتصادية والتكنولوجية والإستخبارية المتفوقة .
ثانياً : دعم الطوائف اليهودية المتنفذة في العالم لصالحه وإسنادها لبرنامجه وتوجهاته .
ثالثاً : إنحياز الولايات المتحدة بقوتها ونفوذها لصالحه وتشكيل غطاء لأهدافه ومشروعه .
لندقق جيداً في الموقف الأميركي ، لأنه لا يعبر عن كلام إنشائي ، قابل للإستهلاك والترويج ، بل هو تجسيد عملي لموقف الولايات المتحدة في المحطات الصعبة نحو المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، وما يواجهه من مصاعب أو تحديات .
يقول الرئيس أوباما في بيانه يوم 23/11/2013 ، حول الإتفاق مع إيران :
منذ تسلمي مهام منصبي ، أوضحت تصميمي على منع إيران من الحصول على سلاح نووي ، وقد فضلت تسوية هذه المسألة سلمياً ، ولهذا عملت حكومتي مع الكونغرس ومجلس الأمن الدولي ، وبلدان أخرى على فرض عقوبات لم يسبق لها مثيل على الحكومة الإيرانية ، وكان لهذه العقوبات بالغ الأثر على الأقتصاد الإيراني ، كان نتيجته التوصل إلى إتفاق ، وهو مجرد خطوة أولى ، ولكنه إنجاز كبير ، وهو يحمل وقف تقدم برنامج إيران النووي ، وهو يفرض قيوداً ستعمل على منع إيران من إنتاج سلاح نووي ، وسوف نفعل كل ما هو ضروري لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي ، وفي نفس الوقت الذي نمضي فيه قدماً ، فإن عزم الولايات المتحدة ، يظل راسخاً ، وكذلك إلتزاماتنا لأصدقائنا وحلفائنا وخاصة إسرائيل وشركائنا في الخليج ، الذين لديهم شكوك وجيهه بشأن نوايا إيران .
وزير الخارجية جون كيري ، ترجم كلام الرئيس أوباما إلى أفعال ، تم تحقيقها وسوف يعمل على تحقيقها ، ففي بيانه في مطار اللد يوم 6/12/2013 ، قال كلاماً مهما كما يلي :
إن إلتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل حاسم وصارم ، إنه إلتزام يمتد لسنوات وعقود ، أنه دائم .
1- في العام 1973 ، كان هذا الإلتزام هو القوة الدافعة لعمل الجسر الجوي الذي أقامته الولايات المتحدة لمدة 32 يوماً لتقديم المساعدة العسكرية للقوات الإسرائيلية خلال حرب يوم الغفران ، ( حرب أكتوبر لمواجهة المبادرة المصرية السورية في الحرب على إسرائيل ) .
2- وإعتماداً على هذا الإلتزام ، ومنذ أكثر من 20 عاماً ، بدأ العمل مع إسرائيل لتطوير تكنولوجيا الدفاع الصاروخي لحماية إسرائيل من تهديدات صاروخية قائمة أو محتملة .
ولأن إلتزامنا بأمن إسرائيل ، لا يزال يشكل قضية مركزية :
1- فقد شكلت المفاوضات مع إيران ، نقطة تركيز رئيسية ، خلال كامل هذه المفاوضات ، إذ كان إلتزامنا بأمن إسرائيل هو الهدف الأسمى .
2- في الوقت الذي نعمل فيه من أجل التوصل إلى سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين ، ومن أجل قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة ، فإننا الرئيس أوباما وأنا نعمل بشكل وثيق مع الجنرال جون ألين ، الذي هو أحد القادة العسكريين الأكثر خبرة في الولايات المتحدة ، ومع فريقه من الخبراء العسكريين والأميركيين المكون من 160 خبيراً من وكالات الإستخبارات ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية والبيت الأبيض ، كي نتمكن من التنبؤ بجميع التهديدات المتوقعة لأمن إسرائيل ، في كل خطوة من خطوات عملية التفاوض حول الوضع النهائي ، وإيجاد السبل الكفيلة بالتصدي لتلك التهديدات ، وبمعالجة المسائل الأمنية المعقدة ضمن دولة فلسطين الجديدة ، والتعامل مع القضايا المتعلقة بوجود دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة ، والتحديات الأمنية التي يطرحها ذلك الوجود .
وعليه يمكن القول أن الحصيلة التي لا يمكن إنكارها هي نوعية العلاقات المتداخلة بين واشنطن وتل أبيب ومتانتها ، لأسباب عديدة ، يقف في طليعتها قوة نفوذ الطائفة اليهودية في الولايات المتحدة وتأثيرها على صناع القرار في الكونغرس والبيت الأبيض ، ولكن ، رغم سوداوية هذه الرؤية علينا ، وقسوتها علينا أن ننظر لمسألتين هما :
أولاً : الرغبة الأميركية في التوصل إلى حل قائم على الدولتين ، وعلى حق الشعب العربي الفلسطيني بالحصول على دولة مستقلة قابلة للحياة ، يجب على كامل قوى شعبنا العربي الفلسطيني أن تدركه وتعيه وتقدره ، لا أن تقف موقفاً أيديولوجياً من سياسة الولايات المتحدة ، لإسباب رأسمالية طبقية لدى اليسار الفلسطيني ، أو لإسباب دينية عقائدية لدى الفصائل الأصولية الإسلامية ، حتى ولو كانت على حق في فهمها وفي تقييمها لحصيلة الموقف الأميركي ، بل يجب أن تكون المصلحة الوطنية العليا للشعب العربي الفلسطيني ، هي التي تحكم مسار مواقفها ، ولنا قدوة في التعلم من الموقف الإيراني في كيفية التعاطي مع الأميركيين نزولاً عند مصلحة الشعب الإيراني أولاً وأخيراً .
ثانياً : السؤال والخلاصة والشجاعة تتمثل في أن ننظر لأنفسنا أمام المرآة ، وأمام شعبنا ، ماذا نحن فاعلون ، من أجل توسيع شبكة الأصدقاء والمؤيدين لقضية شعبنا الفلسطيني العادلة ، ومن أجل تضييق الخناق وفرض العزلة على المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي .
هناك ثلاثة جرائم أرتكبها المشروع الإستعماري الإسرائيلي ، ولا يزال :
أولاً : طرد نصف الشعب الفلسطيني إلى خارج وطنه فلسطين ، يعيش الفقر والعازة ودون مستوى البشر في مخيمات اللجوء والتشرد .
ثانياً : ممارسة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين الذين ما زالوا مقيمين على أرض وطنهم في مناطق الإحتلال الأولى عام 1948 ، في مناطق الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة وهي عكا وحيفا ويافا واللد والرملة .
ثالثاً : ممارسة الإحتلال الكولوينالي الإستعماري بحق شعب فلسطين العربي في مناطق الإحتلال الثانية عام 1967 في القدس والضفة والقطاع ، وحرمانه حقه في الحرية والإستقلال مثل باقي الشعوب .
وفي الحالات الثلاثة ، وضد المكونات الفلسطينية الثلاثة ، ولدى المناطق الثلاثة في الطرد والتشرد وبما يتعارض مع القرار الدولي 194 ، وفي التمييز والعنصرية للمواطنين الفلسطينيين العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية ويشكلون خُمس السكان في إسرائيل ، وبما يتعارض مع حقوق المواطنة ، وحقوق الإنسان ، وفي الإحتلال العسكري للضفة والقدس والقطاع وبما يتعارض مع قرار التقسيم 181 ، ومع قرار الإنسحاب وعدم الضم 242 ، وقرار حل الدولتين 1397 ، وقرار خارطة الطريق 1515 ، في كل هذه الحالات يمكن محاكمة إسرائيل وإدانتها وتعريتها ، أسوة بما جرى للنظام العنصري في جنوب إفريقيا .
سياسة حكيمة متزنة واقعية غير متطرفة ، وثلاثية الأبعاد ، من قبل ممثلي المكونات الثلاثة ، أبناء اللجوء والمخيمات المتمسكين بحق العودة إلى بيوتهم وإستعادة ممتلكاتهم وفق القرار 194 ، ومن أبناء الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة ونضالهم من أجل المساواة داخل وطنهم وفق حقوق الإنسان ، ومن أبناء الضفة والقدس والقطاع المطالبين بالإستقلال ، هو الذي يؤدي إلى مواصلة أزمة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، فهو رغم تفوقه ونفوذه ، فهو في أزمة تكوينية ، وفي مأزق أخلاقي وديمغرافي ، وهو فوق هذا وذاك ما زال يفتقد للشرعية المستقرة ، والإ لما يتمسك بالمسألتين الأمن أولاً والإعتراف بيهودية الدولة ثانياً ، وبالتوسع والإستيطان ثالثاً .
h.faraneh@yahoo.com