بغداد: زيارة سريعة نرجوها مثمرة
أنهت الحكومة، ممثلة برئيسها د. عبدالله النسور وعدد من الوزراء، زيارة سريعة لبغداد أمس، نتمنى أن تكون مفيدة للطرفين. إذ ما يزال بعض الملفات عالقاً بين البلدين، رغم توفر حسن النوايا لدى كليهما.تحريك المياه الراكدة ضرورة، وحسم بعض القضايا مهم، لتطوير العلاقة بين الجارين اللذين يحملان تاريخاً يشهد على استراتيجية التعامل بينهما على مدى عقود طويلة.أبرز المطروح اليوم هو مشروع خط النفط والغاز بين البلدين، والذي تبرز حاجة كلا الطرفين للمضي قدما فيه. ففيما يبحث العراق عن نافذة لتصدير نفطه، يبدو الأردن، ببيئته الآمنة وخبراته، قادرا على تحقيق هذا التطلع. هذا عدا عن الحاجة الأردنية نفطيا وماليا، ممثلة بمصدر آمن للطاقة، وموارد مالية؛ يوفرهما الجانب العراقي.ما أسمعه من مسؤولي الطرفين يؤكد توفر الرغبة. بيد أن ذلك لا يمنع أن يكون الاتفاق منصفاً لكليهما.عمان من جانبها تتحفظ على العرض المقدم من بغداد حول قيمة رسوم عبور النفط؛ باعتبار أن 2 سنت للبرميل، بقيمة إجمالية تبلغ 50 مليون دولار سنويا، غير منصفة للمملكة، فيما تتراوح هذه القيمة ضمن المعايير العالمية بين 2-7.5 دولار للبرميل.هنا يستحق الأردن، كأي شريك، أن يعامل بعدالة. الأمر الذي يستدعي تقديم عرض مختلف من الطرف العراقي، قد لا يصل الحد الأعلى، لكنه يكون بالتأكيد غير مجحف بحق الأردن.الجزئية الأخرى التي يلزم التوصل إلى حلول بشأنها تتعلق بكميات النفط التي ستُورّد من خلال الخط. فالحديث اليوم عن تصدير مليون برميل يوميا، منها 150 ألف برميل للاستهلاك المحلي، فيما يذهب الباقي للتصدير. ولا أعرف إن كان ثمة ما يمنع زيادة هذه الكميات وصولا إلى مليوني برميل يوميا، طالما أن المشروع سيُنجَز.الأمر برمته بحاجة إلى نظرة عميقة من الطرف العراقي، إن كان يسعى بحق إلى تعميق العلاقات الاقتصادية مع الأردن. والأخير بدوره مطلوب منه دعم المشروع وعدم المماطلة في اتخاذ القرار، مع الأخذ بعين الاعتبار ضعف تأثير السياسة في المعادلة، بعكس ما يعتقد البعض. وهو ما يجعل مصالح الطرفين أولوية، ويدفع إلى تسريع تنفيذ المشروع، والتوقيع على الاتفاقية الخاصة به، حتى نلمس خطوات جدية وحقيقية في هذا المجال.ثمة قضية أخرى قديمة جديدة، الظاهر أنها لم تُطرح خلال الزيارة الحكومية السريعة الأخيرة، تتمثل في الملف العالق بين البلدين منذ سقوط نظام صدام حسين، والمتعلق بالديون المستحقة للأردن على الجانب العراقي. هذا رغم الوعود العراقية المتتالية بالسداد، وتعاقب الحكومات في البلدين. وتقدر قيمة الدين بحسب المسؤولين الأردنيين، بحوالي 1.4 مليار دولار، تشمل المبلغ الأصلي مضافا إليه الفوائد. وفي واحدة من جولات التفاوض، تنازل الأردن للعراق عن قيمة الفوائد وقيمتها 400 مليون دولار، أملا في تحصيل المبلغ الأصلي، وهذا ما لم يحدث.التلكؤ العراقي في التسديد يستند إلى أن هذه التزامات كانت زمن النظام السابق، وأنها تخضع لاتفاقية باريس التي ألغت جميع ديون العراق. لكن حجة الأردن للمضي بالمطالبة قوية، وتقوم على أنها أموال بنك مركزي، لا تخضع لتلك الاتفاقية.حسم هذا الملف، في هذا الوقت تحديداً، إذ يعاني الأردن من ضائقة مالية هي الأكبر في تاريخه، هو أمر مهم، وسيؤشر بقوة إلى أن صفحة جديدة فتُحت تمحو كل الماضي، خصوصا لو اعتنى الطرفان بزيادة التبادل التجاري الذي تراجع خلال السنوات الماضية، لصالح ارتفاعه مع دول مثل تركيا وإيران.لم يأتِ رئيس وزراء أردني خلال السنوات القليلة الماضية إلا زار العراق، حتى في أحلك الظروف. وفي إحدى المرات، توجه وفد رسمي أردني إلى بغداد على متن طائرة حربية. لهذا الحد الأردن حريص على العراق، كحرص الأخير أيضاً على الأردن، فلماذا يتعثر السير في حلحلة القضايا العالقة؟الوفد العائد من بغداد، أكد أن أجواء الزيارة مريحة والانطباعات إيجابية، وثمة تفاؤل أردني بامكانية إحداث فرق، لكن التفاؤل يبقى مرهونا بتنفيذ الوعود مستقبلا.زيارة النسور خاطفة، لكن نرجو أن تكون مثمرة، ومختلفة عن سابقاتها.