تصغير حجم الحكومة هو الحل!
هي مؤشرات ونسب تدعو للقلق؛ فوصول المديونية هذا العام إلى ما نسبته 80 % من الناتج المحلي الإجمالي، ثم إلى 90 % أواخر العام المقبل بحسب توقعات صندوق النقد الدولي، وربما إلى 100 % في غضون عامين، يؤكد ضرورة مراجعة مسار الحكومات الاقتصادي، ويستدعي خططا بديلة تحاول معالجة التشوهات التي لحقت بالسياستين المالية والنقدية على مدار عقدين كاملين. وإلا، فإن الحديث عن النمو الاقتصادي وأثره سيكون ترفا طالما أن المديونية تأكل كل حصاد الاقتصاد.وقد صرحت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى الأردن كريستينا كوستيال، قبل أسبوع، بأن المديونية الأردنية في نسق تصاعدي، بسبب اضطرار الحكومة لمواصلة الاقتراض بحثا عن السيولة. وألمحت المسؤولة الدولية إلى "أن الأردن يعاني من عجز كبير في المالية العامة"، والحل هو المزيد من الاقتراض الذي من شأنه مفاقمة الأزمة عند جرد المؤشرات مع نهاية كل عام.في موازاة ذلك، يشيد "الصندوق" بالتوجه لإقرار قانون جديد للضريبة، ورفع أسعار الكهرباء. ويرى أن إيرادات ضريبة الدخل، التي تشكل نحو 15 % من الناتج المحلي الإجمالي، تعد منخفضة نسبة إلى المعايير العالمية، وأن خفض الإنفاق الحكومي وإلغاء الدعم للمشتقات النفطية، سيساعدان، على المدى المنظور، في تقليل الضغوط على الخزينة التي تعاني من عجز مزمن.اللافت أن حجم التحديات المالية، ومستوى التمويلات اللازمة للسنوات المقبلة، يدفعان بالضرورة نحو مزيد من الاقتراض. فثمة مشروعات كبرى تستلزم ذلك، منها مشروع ربط البحر الأحمر بالبحر الميت، والذي تقدر كلفته الإجمالية بنحو 5 مليارات دولار على الأردن والسلطة الفلسطينية. كما أن صعود أسعار الطاقة عالميا سيزيد من حجم الاقتراض. لنواصل المناورة في ذات الحلقة المفرغة: نمو ضعيف يقابله اقتراض دائم.في العام 2002، شكلت المديونية نحو 100 % من الناتج المحلي الإجمالي، ثم عادت للتوازن ضمن النسبة التي حددها قانون الدين العام، وهي 60 %، في الفترة 2006-2008. لكن هذه المديونية اخترقت الحدود القانونية قبل أربع سنوات، بنسبة 67 % أواخر 2001، ثم 75 % نهاية العام الماضي. وهي في طريقها إلى تكرار نسبة العام 2002 من دون أدنى شك، رغم أن وزير المالية توقف مطولا في خطاب الموازنة، قبل نحو شهر، عند توقعات المؤسسات الدولية، واعتبر في خطابه أمام النواب أن "الاقتصاد الأردني سينمو بمعدلات متواضعة خلال الفترة 2014–2016. لكنها ستؤدي إلى تخفيض المديونية كنسبة من الناتج المحلي تدريجياً، إلى أن تعود لمستوياتها الطبيعية بحدود 60 % من الناتج المحلي خلال عدة سنوات"!حل عقدة المديونية لا يكون إلا بخفض عجز الموازنة. وخفض العجز لن يتأتى إلا بتقليص حجم الحكومة والقطاع العام من إجمالي الاقتصاد إلى نصف ما هما عليه الآن. فالحكومة تضخمت بأجهزتها، وحجم الرواتب المدفوعة والكوادر، إلى حدود ليست مقبولة في اقتصاد ضعيف كاقتصادنا. وإذا لم يتم تصغير حجم الحكومة وأجهزتها ومؤسساتها، فإن الحلول "الترقيعية" لن تغير في المشهد كثيرا، وستبقى خدمة الديون تأكل ما يتبقى من نمو ضعيف.هذه هي الجراحة التي يحتاجها الاقتصاد، وما تزال الحكومات تماطل في العمل عليها. فليس الحديث عن دمج المؤسسات المستقلة، أو أي إجراءات أخرى ديكورية لضبط الإنفاق، هو الحل. المسألة ببساطة تحتاج إلى اعتراف يتم بعده تقليص حضور القطاع العام في مشهد الاقتصاد، وانتقاله إلى القطاع الخاص وفق أسس إنتاجية وإبداعية لا مكان فيها للترهل أو الواسطة والمحسوبية.