تَفَكُك «الجيش الحر» أم إطاحة .. الائتلاف؟
ليس صدفة ان يظهر «سماحة» المجاهد ابو محمد الجولاني المكنّى بـ «الفاتح» زعيم جبهة النصرة على الفضائيات في هذا التوقيت بالذات الذي تشهد فيه وقائع الازمة السورية المتمادية تغييرات دراماتيكية في معركة الاوزان والحجوم التي بدأتها فصائل وتنظيمات وكتائب وألوية (وغيرها من التسميات المُقنّعة التي تحاكي سنوات الاسلام الاولى, لكنها بعيدة عن أحكامه وتراثه بُعد الارض عن السماء..) وخصوصا بعد ان بدأ قطار جنيف 2 تسخين محركاته في انتظار «المرشحين» للصعود الى عرباته, قبل ان يصل الى محطته الاخيرة في الثاني والعشرين من الشهر الوشيك..
أمير جبهة النصرة الذي بدا في مقابلته مع الجزيرة «ديمقراطيا» نافيا عن نفسه السعي الى حكم سوريا منفردا, بل كل همه هو اقامة نظام شوريّ يعمل وفق احكام الشريعة, لم ينس المزايدة على غيره من الأمراء والقوّاد والفاتحين, عندما لم ينكر على «المفكرين» والسياسيين الذين «ناضلوا» ضد النظام, حقهم في ان يكون لهم دور في سوريا ذات النظام الشوريّ رغم انهم كانوا في الخارج ولم يساهموا في العمل الميداني..
ابو محمد الجولاني، الذي تمرد على اوامر اميره ابو بكر البغدادي ورفض الانصياع الى «قراره» بدمج تنظيم الدولة الاسلامية في العراق, ليصبح الدولة الاسلامية في العراق والشام «داعش» حيث سيكون النصر حليف المجاهدين على هاتين «الولايتين» (على ما ذهب اليه البغدادي)، حيث لم يلبث المجاهد الاكبر زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري ان بارك الجولاني معتبرا اياه ممثل القاعدة في بلاد الشام مثنيا على رفضه الخضوع لرغبات البغدادي، فلم يتردد الاخير, في الغمز من قناة الظواهري, مُصّرا على تغيير قواعد «اللعبة القاعدية» في سوريا عبر عمليات الاجتياح الدموية (والناجحة كما يجب التنويه) التي يواصلها ضد بقايا الجيش الحر وتشكيلاته المتآكلة التي تواصل انهيارها وكانت الجبهة الاسلامية هي السبّاقة في الوصول الى مخازن السلاح (الفتّاك منها وغير الفتّاك) التي كان (ديغول سوريا او صنيعة باريس لا فرق) الجنرال سليم ادريس, تلقاها من اصدقائه في واشنطن ولندن وباريس وخصوصا انقرة وبعض العواصم العربية..
هل قلنا الجبهة الاسلامية؟
نعم, إذ يبدو المشهد السوري الراهن وبخاصة في جانبه المُعارض مُعقداً ومُتشابكا ومُرتبكاً, بعد ان بدأت تَتَظهّر (ولو في شكل بطيء ومقصود) مواقف الغرب الاستعماري, الذي لم يغادر ذات يوم مربع البراغماتية وتقديم مصالحه على اي مقاربة او تحالف عابر, كما هو حاصل الان مع المعارضة السورية وعلى رأسها ائتلاف احمد الجربا, الذي يبدو انه سائر على درب احمد معاذ الخطيب, فقد اقترب وقت «تبديل الحرس» ولم تكن اقوال جون كيري حول «عدم استبعاد» عقد اجتماع بين وفد من الخارجية الاميركية واخر عن الجبهة الاسلامية (وما ادراك ما الجبهة الاسلامية التي لم يكن قرار اجهازها على ما تبقى من الجيش الحر إلاّ امر عمليات من عواصم اقليمية لم تقتنع بعد بأن التسوية السياسية للازمة السورية قد حُسمت). سوى انها (اقوال كيري) اشارة اكثر من واضحة بأن على ائتلاف الجربا ان يستعد للانكماش او يُبدي قدرا من التواضع او يحصر نشاطه كمن يستعد للتقاعد بعد ان فقد مستقبله السياسي, لان الذين سيجلسون على الطاولة في مواجهة النظام هم «المسلحون» وسيكون لرأيهم اعتبار، كونهم معارضة اسلامية معتدلة، كما يزعمون.
قد يدخل ما سبق قوله في باب الالغاز والاحاجي وبخاصة اذا لم نصرف النظر عن تصريحات الدبلوماسي الروسي بوغدانوف, ازاء سوريا وعباراته اللافتة حول الاثار المترتبة على تلميحات الرئيس السوري بترشيح نفسه بعد انتهاء ولايته الثانية, فضلاً عن العودة المفاجئة لسيناريو الحرب الخاطفة, الشديد الوطأة والماحقة التي تستعد اسرائيل للقيام بها ضد حزب الله بهدف القضاء عليه وأعادة كتابة جدول أعمال جديد ومختلف.. للمنطقة.
الاسئلة كما المخاوف والتساؤلات في هذا الشأن, مشروعة ومبررة, في ظل تسارع في الاحداث والتطورات المتلاحقة, التي تبدو لكثيرين مسربلة بالغموض وعصيّة على التفسير.
هل يمكن القول انها علامات ربع الساعة الاخير, كما في كل القضايا والملفات ذات البعد الجيوسياسي المُعقّد الذي لا تقل ارتداداته عن «الزلازل» بدرجاتها الاعنف؟.
.. بلاد الشام وفي القلب منها دمشق, كانت هكذا, منذ الازل ونحسب انها لا تختلف الآن، وخصوصاً اننا نعيش زمن التحولات الكبرى، اما ماذا عن مكافحة الارهاب فالجواب لدى عواصم الغرب .. «المُتَنَوّر».