عندما يشكو رئيس الوزراء
عندما يشكو رئيس الوزراء من شركات الكهرباء، بأنهم لم يقوموا بواجبهم في الأيام الثلجية السابقة، بل أنهم أغلقوا هواتفهم، وامتنعوا عن الرد على شكاوى المواطنين، بل أداروا ظهورهم للحكومة، فنحن إذا أمام معضلة كبيرة! بل نحن الآن نحصد ثمار عشرة أعوام ونيف من نتائج النهج الاقتصادي السابق، وما تخلله من عمليات مشبوهة تمت تحت ستار الخصخصة، وسياسة السوق والانفتاح و المستثمر الإستراتيجي ...
لقد تم التنظير طويلاً بأن مشكلتنا الجوهرية تكمن في عملية إدارة القطاع العام المترهل، وأنه لا سبيل للنهوض الاقتصادي إلاّ بتحويل القطاع العام إلى شركات يديرها القطاع الخاص، حيث إن القطاع الخاص أثبت أنه أكثر قدرة على إدارة المال وإدارة الوقت، وإدارة الموارد البشرية، من خلال المشاهدات على الصعيد المحلي والعالمي !!
ها نحن أخذنا بالتوصية، وتم خصخصة القطاع العام، وأصبحت القطاعات التي تديرها الدولة والحكومة عبارة عن شركات خاصة، وأتينا بالمستثمر الإستراتيجي فعلاً، وقد مر وقت طويل لنقف على الحقيقة ونحصد الثمار المرة.
ليست القضية محصورة في المقارنة بين إدارة القطاع العام وإدارة القطاع الخاص من ناحية نظرية ومن خلال ما يتم كتابته على الورق وفي بطون الكتب! بل المشكلة أكبر من ذلك وأعمق، وأكثر تعقيداً، ومليئة بالأسرار.
الأمر الأول أن عملية التحويل لم تتم بشفافية، وكانت بعيدة عن النزاهة، وتخلو من كل قيم العدالة، فقد تمت معظم عمليات الخصخصة بطريقة أشبه ما تكون بمؤامرة دبّرت بليل! فقد تم ترتيب أمور التحويل وفقاً لرغبات المحاسيب والمتنفذين والسماسرة، ولم تكن عمليات التقدير والتقويم للموجودات صحيحة، ولم تقترب من القيمة الحقيقية، وتم الاستيلاء على مقدرات الدولة واملاك المواطنين، وتعب الشعب الذي بذل خلال تاريخ طويل في لحظة اختلاس رهيبة!!
أما الأمر الثاني فقد تمت خصخصة المؤسسات الرابحة والناجحة والتي تدر أموالاً إلى خزينة الدولة، ولم يتم خصخصة المؤسسات المتعثرة.
أما الأمر الجوهري الذي يعود بنا إلى شكوى الرئيس، حيث أننا لم نلمس تغيراً جذرياً في أعمال الإدارة، ولم تتحسن أنماط الخدمة للمواطن، بل أن ما قاله الرئيس أمام مجلس النواب عبارة عن تلخيص للمشكلة الحقيقية الناتجة عن كل عمليات الخصخصة التي تمت، حيث أصبح لدينا شركات تحتكر الخدمة وتعامل المواطنين بغطرسة واستعلاء، وسياسة إدارية عنوانها (روح بلّط البحر، ويلي يطلع بيدك يطلع .. ) !!
عندما تم تحويل شركة الاتصالات من حكومية إلى خاصة كنت أفكر أنا شخصياً أنه سوف يتم تطوير أسلوب التعامل مع الجمهور من حيث الاحترام والتقدير للمواطن، فنحن أمام قطاع خاص متحضر.
ولكني فوجئت عندما جئت لأدفع فواتير الهاتف، أن الطابور نفس الطابور، ووجوه الموظفين والموظفات هي نفسها؛ من حيث العجرفة والكشرة، و سريان الواسطة وتفشي المحسوبية وازدياد اثر المعرفة الشخصية في تسهيل تقديم الخدمة، وزيادة السطو على اموال المواطنين وزيادة التفنن في الاحتيال عليهم ونهبهم!!
وعندما دخل أحدهم ولم يرق له الاصطفاف في الطابور الطويل، وتقدم بدون خجل نحو الموظفة التي تقبض الفلوس مع ابتسامة حلوة، حيث استطاع هذا الشخص أن يتخطى كل المصطفين ويقول على مسمعهم: كيف يتحمل هؤلاء الاصطفاف هكذا، قالت له الموظفة بكل صراحة ووضوح: متعودين !!
نحن نكتشف الآن «الخازوق المجشّم» الذي أكله الشعب الأردني من كل عمليات الخصخصة،حيث تضاعفت المديونية، وتضاعف العجز التجاري، وقلّت قيم الانتاج، وزادت قيم البطالة،وزادت نسبة الفقر، وتهشمت الطبقة الوسطى، وزاد اعتمادنا على المنح الخارجية والقروض، وقلّت القدرة على محاسبة المقصرين والفاسدين! إذ لو بقيت هذه القطاعات تحت إدارة الحكومة لكانت عملية المحاسبة أسهل، ولأمكن القبض على المسؤول الكبير الذي أغلق هاتفه أمام الجمهور خلال لحظات، ولاستطاع رئيس الوزراء محاسبته بقرار، ولكن أبشرك يا دولة الرئيس أنك لن تستطيع محاسبتهم ولن تستطيع استعادة أموال الشعب في البوتاس ولا الفوسفات، ولا موارد ولا سكن كريم ولا غيرها