مزيدا من الضرائب؟!.. ارحمونا
جمانة غنيمات
تعتَبِر رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى الأردن كريستينا كوستيال، أنّ الإيرادات الضريبية في الأردن قليلة؛ إذ تبلغ حاليا نحو 15 % فقط من الناتج المحلي الإجمالي.نتيجة لذلك، تدعم المسؤولة الدولية فكرة إقرار قانون جديد لضريبة الدخل. وبحسب المعلومات، فإن مشروع هذا القانون سيُقدّم لمجلس النواب بعد الانتهاء من قانون الموازنة العامة.كوستيال تدعو إلى زيادة ضريبة الدخل على الأفراد لتصل نسبة 25 %، في وقت تشير المعلومات إلى أنّ "الصندوق" يدعم أيضا فكرة تخفيض الإعفاء الممنوح لهذه الفئة، بهدف توسيع شريحة المكلفين، وبالتالي زيادة قيمة الضريبة المستوفاة، بغية حل مشكلة المالية العامة المعقدة.واستناداً إلى معرفتنا بكيفية إدارة الملف المالي في وزارة المالية، فأظن أنّ الاستجابة ستكون فورية، من دون نقاش أو أخذ بعين الاعتبار للثقل الذي ينوء تحته المواطن الأردني، وستلتزم الوزارة بتنفيذ التعليمات دون نقاش حتى.لكن ما تُسقطه كوستيال من حسبتها هو ارتفاع العبء الضريبي على المواطن الأردني؛ إذ إن ضريبة الدخل ليست الوحيدة التي يسددها، بل هناك أشكال أخرى كثيرة للضريبة، منها "المبيعات"، والرسوم الكثيرة والمتنوعة، والتي توفر الإيرادات للخزينة. فهذه الأخيرة يتحقق معظمها، وبنسبة تصل إلى 71 % بقيمة 5.8 مليار دينار من الضرائب والرسوم على مختلف السلع والخدمات، ويتم تحصيلها من جيوب المواطنين والمقيمين في الأردن، من أصل 8.1 مليار دينار يتوقع أن تنفقها الخزينة في العام 2014.إغفال هذه الجزئية يمثل ابتعادا عن الحقيقة، وإنكارا لواقع لا تأخذه المسؤولة الدولية بعين الاعتبار، فعن أي تدن في الإيرادات الضريبية يتم الحديث؟!في الأردن كثير من الضرائب الخفيّة وغير المعلنة، والتي تحمل مسميات كثيرة. والناس يستشعرون ارتفاعا غير مقبول في العبء الضريبي، كما تؤكد ذلك نتائج العديد من الدراسات ذات الصلة.هذه الدراسات، على اختلاف مصادرها، تكشف أن العبء الضريبي يتجاوز كل المعايير الدولية، وحتى تلك المعتمدة لدول العالم الثالث. ووفق جميع البيانات المتوفرة، فالثابت أن مجموع الضرائب التي يتحملها الأردني تفوق قدراته.من الضروري إطلاع كوستيال على هذه الدراسات ونتائجها، قبل الحديث عن زيادة الضرائب، علّها تأخذها بالحسبان، فتَصْدُق نية حرصها على الفئات الأضعف والأقل دخلا في الأردن. والمعروف أن "الصندوق" مؤسسة مهنية موضوعية، ترتكز في توجهاتها إلى دراسات واستنتاجات علمية.آخر دراسة حكومية أعدتها وزارة المالية، تؤكد بلوغ العبء الضريبي ما نسبته 30.9 % خلال الفترة 1990-1998، متجاوزا الحد الأدنى للدول النامية. وخلال الفترة 2004-2011، انخفض العبء ليصل 26.4 %، لكنه مع ذلك يظل يشكّل نسبة عالية بالنظر إلى ثبات المداخيل.مبررات "الصندوق" لزيادة الضريبة غير مقنعة. والظاهر أن المؤسسة الدولية لم تحفظ درسها جيدا، واعتمدت مؤشرا يسهّل لها تطبيق ما تريد، بزيادة الإيرادات المحلية التي يرى "الصندوق" أن الحكومة بالغت في تقديرها، وأن من الصعب تحقيقها، بحسب ما نقلت مصادر لـ"الغد".النظرة غير واقعية وغير منصفة أيضا، وإن كان فيها حلول لمشاكل المالية العامة. وإذا كان لا بد من زيادة ضريبة الدخل كما يرى "الصندوق"، فلا مفرّ عندئذ من تخفيض ضريبة المبيعات التي يسميها الخبراء "الضريبة العمياء"، كونها تمسّ الفقير ومحدود الدخل قبل الثري.وما من شك في أن ثمة سوء توزيع للتكليف الضريبي؛ إذ تشير الدراسات إلى أن 80 % لا يدفعون الضريبة، فيما تتكفل الـ20 % المتبقية بتحمل العبء. وهذا يتطلب إعادة النظر في الضرائب غير المباشرة، لإصلاح الخلل في الضريبة المباشرة، قبل التفكير في رفع ضريبة الدخل.بالمناسبة، قانون الضريبة المعمول به حاليا جيد، وأفضل بكثير من الصيغة المقترحة التي تشكل عودة إلى الحلول السهلة، القائمة على الاعتماد على جيوب الناس، وبالتالي تدمير ما تبقى من الطبقة الوسطى.الأردنيون لن يحتملوا مزيدا من الضرائب.. ارحمونا!