جــيــل الأردنــي الســاخــر
بعد عودة ( وضحى ) الثانية وتكرار زيارة العاصفة الثلجية التي اصطلح الناس على تسميتها بوضحى ، وبعد الجرأة الكبيرة التي مارستها علينا ، فألزمتنا بيوتنا وأغلقت بواباتنا ومنعتنا من الخروج ، اقتنعنا ونحن نتابع التعليقات والردود الساخرة التي انتشرت على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ، بأن حالة جديدة من التغير بدأت تظهر على طبيعة الشعب الأردني ، وبعد أن كانت النكتة تتم في إطار المجالس الخاصة أو في المسرحيات الساخرة ( وهي قليلة جدا عندنا ) ، صارت النكتة والسخرية حالة الكترونية ، وهي بالتالي أعم وأشمل وأكثر انتشارا ، وهذا يعني بأنها ترتبط بجيل التواصل الاجتماعي والجيل الالكتروني ، وأن الجيل الأردني " التقليدي " هو هو ، لم يتغير ، ولن تغيره وضحى الأولى ولا الثانية ولا العاشرة أيضا ..!
لقد اكتشفت روح السخرية مبكرا لدى جيل الطلبة في الجامعات عندما كنت أتابع أسلوب محو بعض الأحرف أو النقاط في الإعلانات التي تنشرها الجامعة ، لتتحول إلى الضد ، وكانت قد انتشرت في الجامعة عادة جلوس الطلبة والطالبات على الدرج واحتلاله ، بحيث يتم إغلاقه أمام المارين ،لذا وضعت إدارة الجامعة عبارة تم تخطيطها بشكل جميل تقول : ( ممنوع الجلوس على الدرج ) وفي اليوم التالي وجدنا أحد الخبثاء محا حرف اللام وترك النقطة فقط من حرف الجيم لتصبح العبارة ( ممنوع البوس على الدرج ) وأضاف إليها ( البوس تحت الدرج ) ..! ولنا أن نتصور خبث وشقاوة هؤلاء الذين يحورون الإعلانات إلى الضد ، ومنها تحريف عبارة جادة تقول : ( التدخين مضرة وتركه مسرة ) ليحور أحد الخبثاء العبارة بمحو بعض الأحرف لتصبح : ( التدخين مسرة وتركه مضرة ) ليبرر لنفسه مسرته المؤسفة بالتدخين .
لقد استوقفتني بعض السكيتشات الساخرة التي صاحبت قدوم العاصفة الثلجية الجريئة وضحى ، فقد استحضر أحدهم صورة ثلاثة من الدببة القطبية البيضاء وأوقفها تحت لافتة مكتوب عليها " عمان " وجعل الدببة تؤكد أن هذا هو موطنها ..! كما انتشرت سخرية جميلة بالفوتوشوب تتناول بعض الرموز السياسية بطريقة ساخرة وذكية جدا ، و” فش " أهالي الزرقاء غلهم من استثناء العاصفة الثلجية لهم ، وانهالت التعليقات الساخرة على الشمس التي سطعت بسماء الزرقاء والعاصفة الثلجية تضرب الأردن ، وعندما سقطت زخات محدودة من الثلج على الزرقاء مساء الجمعة ، ظهر شباب الزرقاء وهم يزغردون .. وقد عقب بعض شباب الزرقاء على وضع المدينة باستعارة الأغنية المعروفة ( شملت والنية إربد ) بعبارة : شمست والنية تثلج .. وبدكم الحق ، يقضي المتابع وقتا طيبا وهو يقرأ خفة دم الشباب الذين استخدموا الفوتوشوب بطريقة مدهشة ، ولا زلت أذكر في العام الماضي عند اشتداد عاصفة " وضحى " صور " نهر صويلح " والسفن التي تسير فيه .. لقد أقنعونا بما نرى بخبث وذكاء وتقنية جميلة ، واليوم وأنا أطل من نافذتي صباحا على الحديقة الغارقة بكتل الثلج الناصع ، بدأت أخشى أن أرى الدببة الثلاث ما غيرهم التي تقف عند لافتة تشير إلى عمان ، تسير في الحديقة البيضاء الناصعة ، وبت لا استبعد أن يجري نهر صويلح يوم الغد من أمام بيتنا ..!
لن يتغير مزاج الأردني التقليدي ، لكن جيل الشباب تغير وأتاحت له الفرصة الإلكترونية المدهشة عوالم أسطورية لم تحلم فيها أجيال الآباء والأجداد .. وها نحن كلنا نجلس في بيوتنا تحاصرنا الثلوج ، ولا نجد غير وسائل الاتصال الإلكترونية ، ونقرأ ونشاهد التعليقات الساخرة ، ونحاول أن نقنع أنفسنا بأن الجيل الأردني الجديد ساخر ويحب النكتة ، فهل هي سخرية أصيلة وفي جيناتنا تمحو الصورة الجدية العابسة في ملامح الأردني .. أم أنها سخرية الكترونية ..؟
وتريدون الحق ، نشتاق الآن والثلوج تحاصرنا إلى شمس بلدنا الساطعة ، وإلى السماء الزرقاء ، وإلى السير بحرية في شوارعنا ..نشتاق للشمس حتى وإن كانت حارقة ، بعد أن غمرتنا السماء بالخير والفرح الأبيض ..الأبيض جدا جدا ..ودعونا نفرح على المخزون المائي الذي وهبتنا إياه السماء ، ودعونا نأمل أن يطل الفرح على جباه الناس التي عبست طويلا ... طبعا جباه الآباء والأجداد تنفرش عليها علامات السرور مع المطر والثلج وهذه طبعا حالة الفرح الأردني الجماعي لأنها الفرج الذي يتلوه " انفراج " يؤكد أنه لن يتم رفع تسعيرة المياه على أقل تقدير ..! والله أعلم .