تلقين شركات الكهرباء درسا

قررت الحكومة مقاضاة شركات توزيع الكهرباء، لتقصيرها في الوفاء بالالتزامات التي تنص عليها الاتفاقيات المبرمة مع هذه الشركات. ولربما تحصل الحكومة على تعويض مقابل ذاك التقصير، لكن من يعوّض الأسر عن العذاب الذي مرت فيه؟أسر كثيرة، في مناطق مختلفة، عاشت ظروفا صعبة في خضم العاصفة الثلجية، كما بعدها. والحكومة، بموجب مسؤوليتها القانونية والأخلاقية تجاه المواطنين، اتخذت قرارا غير مسبوق للتخفيف من الضرر الكبير الذي وقع على قطاع كبير منهم، نتيجة عدم اكتراث تلك الشركات، حد عدم استقبال الشكاوى!نفهم أن يكون انقطاع الكهرباء مؤقتاً. لكن استمراره لأيام، وفي ظروف جوية صعبة، فهذا ما ليس من مبرر له إلا عدم الجاهزية، وضعف الاستثمار في التجهيزات اللازمة لتقديم أفضل خدمة لمستهلك ما يزال يظن أن تعرفة الكهرباء مرتفعة جداً، وينتظر مع ذلك زيادات جديدة عليها.مرة أخرى، السؤال المهم: من سيعوض المواطنين الذين عاشوا ليالي سوداء وبرداً قارساً، نتيجة تخلي شركات الكهرباء عن أداء واجبها؟شخصيا، أشجع كل مواطن تضرر من انقطاع الكهرباء الطويل، على رفع قضية ضد هذه الشركات؛ فالعلاقة مصلحة متبادلة، توفر الشركات بموجبها الكهرباء للمواطن الذي يتوجب عليه دفع ثمنها.ثم إن هذه الشركات لا تتهاون أبدا مع كل مشترك لديها يتخلف عن تسديد فواتيره الشهرية. إذ إن مجرد التأخر أسبوعين عن الدفع، يُعدّ سبباً لتشكيل هذه الشركات لجاناً تقرر قطع الخدمة عن المستهلك.لماذا، إذن، تتوقف هذه الشركات ذاتها عن القيام بدورها، من دون أن تدفع الثمن؟الذهاب إلى القضاء في هذه الحالة مجدٍ، كونه يلقن شركات الكهرباء درسا لم تتعلم في الماضي إلا جزءا واحدا منه، ويتمثل في مطالبة الناس بمستحقاتها، فيما لم تتقن هذه الشركات الجزء الثاني من الدرس، والمتمثل في القيام بمهامها ودورها، بتوفير الخدمة بأفضل مستوى.العقد شريعة المتعاقدين؛ والشركات أخلت بالاتفاق. وتحصيل حقوق الناس الذين مروا بظروف صعبة نتيجة هذا الإخلال، لن يتم إلا عبر التوجه إلى القضاء، وليتم أيضاً تكريس حالة، تدرك بعدها هذه الشركات أنه لا يجوز لها التهاون مع عملائها، تماماً مثل أي شركة أخرى تخضع لآليات وعقلية القطاع الخاص.ربما تظن هذه الشركات أنها تمن على الناس بتقديم الكهرباء لهم، وهذا غير صحيح طبعاً؛ فهي تُحصّل حقوقها المالية بالتمام والكمال، فلماذا الإهمال والتقصير من جانبها؟!من ناحية أخرى، تحقق هذه الشركات أرباحاً بعشرات ملايين الدنانير سنويا، وكان الأولى بها إنفاق جزء منها على توفير آليات وتجهيزات لوجستية ضرورية لاستكمال مهمتها.ليس هذا هو التقصير الوحيد؛ فهذه الشركات لم تجدد شبكات نقل الكهرباء منذ سنوات طويلة.وللتوضيح، فإن هذه الشركات لا تتحمل شيئا من كلف دعم الكهرباء، بل هي تأخذ حقوقها كما يقال "ثالث ومثلث". فيما الحكومة هي من يتحمل كامل عبء دعم الكهرباء من أجل هذه الشركات، التي لم تتنازل عن فلس واحد من حقوقها المالية، وتبيع الكهرباء بسعر التكلفة مضافا اليها هوامش ربحية.يشكو القطاع الخاص من أن المجتمع لا يفهم طبيعة المعادلة التي تنظم عمله وتحكم قراراته. لكننا اليوم إزاء حالة مشوهة من القطاع الخاص نفسه، الذي لا يفهم هو الدور المطلوب منه، بل ويتنصل من الوفاء بتعهداته التي يقبض ثمنها من جيب المواطن.التوجه إلى القضاء سيحمي المستهلك مستقبلا، ويلقن الشركات درسا في كيفية احترام العقود والاتفاقيات المبرمة بينها وبين الحكومة والمستهلك في آن.