صحوة ضمير...!


القط حيوان اليف يعيش بين الناس،على خلاف الحيوانات الاخرى التي تقيم في الزرائب بحكم تدني سلالاتها و انسابها. قطنا السمين مختلف عن القطط الاخرى، فقد بلغ من الكسل حدوده القصوى،اذ انه لا يقوم بمهماته الاساسية،كاصطياد القوارض والجرذان والفئران،والتصدي للعقارب و الافاعي السامة،حتى اصبحت الفئران بحجم الخرفان.ترتع في كل مكان، لعدم خشيتها ما يهددها.فالفار الذي يقضم خبز البيت لا يثير شهيته،والجرذ الذي تسلل من المجاري حاملاً الاوبئة لا يستفزه.مشكلة المشكلات ان هذا "الحيوان"المدلل لم يسلم احد من اذاه. حيث نال كل فرد حصته من خدوش سطحية وجروح عميقة،مما اثار الحقد عليه.اللافت فيه،انه لا يستأسد الا على الضعفاء لاستجلاب هيبة مفقودة،و فرض احتراماً بالقوة،" كالهر يحكي صولة الاسدِ".

*** انكشفت حقيقته صدفةً،بينما كانت الاسرة تتحلق حول مائدة الطعام.اندفع من الشارع مذعوراً نحوهم.اندس تحت ارجلهم،وهو يرتجف خوفاً،وعلامات الفزع تكسو وجهه،فيما شارباه تتدليان،وعليهما اثار وحل. ظن الجميع ان افعى ضخمة تطارده،او حيواناً متوحشاً يبغي افتراسه.وقبل ان ينهضوا من مقاعدهم لمواجهة الخطر. كانت المفاجأة المدهشة،عندما شاهدوا صرصاراً يتعقب خطوات القط المستأسد.

*** انفجر الجميع بالضحك لغرابة الموقف.قال "كبير" الاسرة بنزق شديد: هذا القط الديكور اصبح مثل "فزاعة" اكتشفتها الطيور انها مجرد قش جاف وخرقة بالية،.حينذاك زال خوفها و اخذت تقضي حاجاتها على راسها، لتنتقم من ذلك الخوف الموهوم. لذلك افكر جدياً باطلاق رصاصة الرحمة على القط الاكذوبة،كما يفعل الانجليز بخيولهم المعطوبة.التفت الزوجة اليه، ووجهها يقطر قرفاً وقالت له بنبرة تحدٍ : الحق عليك...انت الذي اسرفت في تدليله حتى فسدت روحه وتكلس ضميره. الاسوأ انك نفخته حتى كاد ان ينفجر،مع انه فعلياً لا يصلح الا لبيع فوط الاطفال على الاشارات الضوئية.ارى ان ترسله الى مكان بعيد داخل كيس محكم،معصوب العينين حتى لا يعرف طريق العودة الينا.بهذه الطريقة الانسانية نتخلص من شروره.خسارة فيه فشكه .

*** اعترض الاطفال والكبار على هذا الحل الناعم،لما يحملونه من غلٍ في دواخلهم على قطهم اللئيم الذي يحمل عداوة عمياء لكل ما هو جميل،و سجلاً حافلاً بالقباحات،اما ذاكرتهم الجمعية منقوشةً بالذكريات الاليمة عن سوء افعاله،وتوحش ممارساته. مقترحين محاكمته حسب القانون المقبور"من اين لك هذا" يا هذا ؟ محاكمةً علنية على الهواء مباشرةً ليراها الناس كافة، ثم تعليقه على مشنقة في اكبر الساحات، ليكون عبرةً لمن اعتبر،فجرائمه تجاوزت كل الخطوط اللا اخلاقية، فهو يشبه "عبد السوء ان جوّعته سرق وان اشبعته فسق".

*** شعر القط المرتبك بما يدور حوله،فانسحب الى زاوية بعيدة في البيت.و مُذاك توقف عن الاكل والشرب والحركة.وصار يتحاشى نظرات الاخرين،لسقوطه في اول مواجهة مع صرصار وضيع،بعد ان كانت الفكرة لدى الناس،قدرته على الاطاحة بـ "فيل".

*** بدات صحته تتدهور.فقال احدهم: من خلال درايتي القليلة بعلم النفس، اعتقد انه يعاني انهياراً عصبياً مصحوباً بضيق تنفس.رد عليه رجل اشيب الشعر ـ صاحب تجربة حياتية عميقة ـ وعلى دراية بامثال هذه الاشكال : ان صاحبنا يعاني من باصور نازف،لذلك يخجل مغادرة الزاوية التي احتمى بها ويعطي ظهره للحائط.امام تضارب الاراء واختلاف التشخيص قرر كبير الاسرة عرضه على الطبيب.

*** في اليوم التالي،حمل الكبيرُ القط َ في سلة بلاستيكية الى اشهر عيادة بيطرية في المدينة،اجرى الطبيب البارع الفحوصات الشعاعية و السريرية و المخبرية المطلوبة،وبعد قرآءة النتائج التفت الى رب الاسرة وقال له:سيدي ان حالة القط غريبة وشاذة .سأله "الكبير" بلهفة : وما هي يا دكتور؟.اجابه بهدوء العارف: لقد انفجر ضميره فجأةً،كما تنفجر المرارة عند الاخرين،ما سبب له كآبة حادة. تنحنح الدكتور بشدة ثم بصق في منديل ابيض ورماه في سلة المهملات،و اضاف وهو يُحدق بالتقارير الطبية التي امامه: هذه الحالة غالباً تؤدي بصاحبها الى الهلاك،فالمذنب لا يستطيع احتمال تبعات افعاله الشائنة عندما يصحو ضميره ....!.
مدونة الكاتب الصحفي بسام الياسين