النسويات في لبنان: بين المثلية والذكورية والكعب العالي!

DEC 13, 2013



 

 

لماذا 80 بالمئة من الناشطات النسوّيات اللبنانيات اللواتي ألتقي بهنّ في كل زيارة الى بيروت هنّ من المثليات جنسيا!؟… أين بقية النساء "المستقيمات” (straight women) من النضال لأجل حقوق النساء في لبنان؟!… أم أنهنّ منشغلات بالغيرة من بعضهن البعض!؟… بهذه الكلمات عبرّت قبل ايام صحافية وناشطة لبنانية شابة تسكن في الولايات المتحدة الاميركية على صفحتها على الفيسبوك وباللغة الانكليزية عن نظرتها الشخصية لواقع "نسوّيات” لبنان كما ادّعت!…

هذه الكلمات فتحت شهية "اصدقاء” الصحافية في العالم الافتراضي للتعليق و”فشّ خلقهم” من موضوع لطالما همس به اللبنانيون سرّا عن واقع النضال النسوي في لبنان دون التجرؤ يوما على طرحه علنا وان فعلوا فلم يكن بهذه الطريقة "الفجّة” الجارحة الى حدّ ما!… فالبعض علّق قائلا ان استخدام مصطلح ( straight) اي (مستقيم) من قبل الصحافية معتبرا ايّاه أمرا مسيئا للنساء ذوي الميول الجنسية المثلية باعتبار ان المصطلح يصنّف كل مثلية جنسية بكونها غير مستقيمة (not straight ) بمعنى انها خارجة عن الطبيعة!!! بينما علّق البعض الآخر معتبرا كلام الصحافية يندرج في اطار الصور النمطية التي تحيط بالنساء الناشطات في مجال حقوق المرأة عموما وليس فقط في لبنان بسبب مظهر اغلبهن الذي يميل لاعتماد اطلالة الشعر القصير والملابس الرياضية وعدم استعمال مساحيق تجميل والابتعاد عن مظاهر "الأنوثة” التي يسوّق لها الاعلام عادة بينما وافق البعض الآخر على كلام الصحافية دون اعتراض بل ضغط زرّ "لايك” بحماسة شديدة!!!

فبغضّ النظر عن رأي أيّ مناّ تجاه المثلية الجنسية من الناحية الدينية ومن الناحية الفيزيولوجية ومن الناحية الحقوقية فانّ تعليق تلك الصحافية كشف للعلن شئنا ام أبينا عن ما يدور سرّا في عقول بعض اللبنانيين وما يتناقله البعض همسا عن العلاقة بين الهوية الجنسية للناشطات النسويات اللبنانيات والحافز وراء نضالهن لاجل حقوق نساء بلدهن! كما أن هذا التعليق يفتح امامنا نقاشا اهمله المدافعون عن الحريات الشخصية وحقوق الانسان عن قصد لسنوات عن علاقة المظهر الخارجي بالاحكام المسبقة التي تطال المرأة في مجتمعات "ذكورية” العقلية والثقافة ومجتمعات "سطحية” المفاهيم حول "الانوثة”!

الحديث هنا ليس لمناقشة مدى تقبل المجتمع اللبناني للمثلية الجنسية ولا هو اعتراف بحقوق المثليين جنسيا انطلاقا من حجّة انه حرية شخصية ابدا!!!! بقدر ما هو مناقشة الصور النمطية المهينة التي تربط بين الشكل الخارجي للمرأة وسلوكها من جهة وبين المظهر الخارجي للناشطات ونضالهن لأجل حقوقهن من جهة اخرى مقابل نقاش آخر يربط بين مساحة الحريات الشخصية للمرأة ومدى تقبّل مجتمعها لها!

عندما قرأت تعليق تلك الصحافية عادت بي الذاكرة فورا الى يوم التقيت فيه برئيسة تحرير موقع اخباري لبناني وهي سيدة شابة متزوجة لها من الجمال والاناقة قسط كبير روت لي انها تعاني كثيرا خلال حضور ندوات سياسية وتغطية فعالياتها ومحاورة رجال السياسة بسبب كثرة التحرش الجنسي بها من قبل هذه الطبقة "المثقفة” بسبب صغر سنها واهتمامها باناقتها وانها حين نشطت في عدد من القضايا الاجتماعية عانت من نظرات الناس الذين تعودوا على صورة الناشطات في حقوق المرأة بمظهر رياضي عملي وبشعر قصير غير مصفّف وبمظهر خارجي اشبه برفيقات "غيفارا” وانها سمعت اكثر من شخص يقول لها: "عجبا … شقراء ومناضلة في حقوق المرأة كمان!” … يومها ختمت حديثها معي بالقول "انوثتي ملك لي واعبرّ عنها كما يحلو لي… انوثتي ليست سبب ليصنفني احد في خانة ما مهما كانت ايجابية او سلبية… انوثتي حالة شعورية تخصّني وحدي!”…

يستحضرني هنا ايضا المقال الذي كتبته يوما احدى الصحافيات اللبنانيات في موقع "المدن” الالكتروني تنتقد فيه نضال الكاتبة والشاعرة اللبنانية النسوية المعروفة جومانة حداد حيث "عيّرت” حداد بارتداء الكعب العالي خلال مشاركاتها الاجتماعية والثقافية مما يفقدها صفة "مناضل” شعبي وفقا لتعبير تلك الصحافية!

اذا نحن امام ثلاث صور شهيرة تغلب على المشهد النضالي النسوي في عيون اللبنانيين: الكعب العالي والانوثة والمثلية الجنسية!…

انها بالأحرى "السخافات” الثلاث التي تسيطر على تصنيفنا نحن النساء المناضلات، كلّ من موقعها ومجال عملها، لأجل حقوقنا!

فمع ان لكل مقام مقال ولكل مناسبة لباس مناسب، فانّ انوثة المرأة لم تكن يوما باعتماد اسنان نجمات هوليوود ولا بالشعر الذي ينصح به مصفف شعر نجوم هوليوود ولا برومانسية المسلسلات التركية التي يسوّقها لنا الاعلام العربي…

الانوثة هي حالة شعورية داخل المرأة تعيشها كما يحلو لها بقناعاتها وجسدها وضميرها ونضالها لاجل ذاتها!

الكعب العالي هو مجرّد خيار فردي لا ينتقص ارتداؤه من قدرة المرأة على القاء خطاب جريء ولا ينتقص من قدرتها على "السير” نحو تحرير نساء بلدها من القوانين الظالمة ولا ينتقص من عقل المرأة!

امّا المثلية الجنسية فهي سوّاء تقبلنا وجودها في مجتمعنا او لم نتقبله فهي موجودة… وان اردتم مناهضة من يعيشها او التعايش معهم فانتم احرار ولكن لا تقحموا نضالا انسانيا بحجم حقوق المرأة في زوايا تصنيفاتكم للمثلييين والمثليات!

نعم لطالما ربط الاعلام اللبناني "عليه اللعنة” صورة المرأة الانيقة الجميلة التي تهتم بنفسها بالمرأة السطحية اللامبالية الا بتفاهات الحياة بينما اظهروا المرأة المتعلمة المثقفة بصورة المهملة لمظهرها الخارجي! ربما كانت هذه الصورة صالحة للتعايش بيننا قبل عشرين عاما اي قبل ان يصبح عمل المرأة جزء لا يتجزء من مسيرة حياتها وقبل ان يصبح عمل المرأة ضرورة ملّحة لاعالة نفسها والمشاركة في مسؤوليات الأسرة ولكن حتما هناك فئة وللاسف فئة تسمي نفسها "مثقفة” تعيش بيننا… تجلس في مقاهي ارقى شوارع العاصمة… وتبثّ "باطلا” صورا نمطية تسيء للمرأة مع انها تدّعي انها مناصرة مدافعة عن "تحرّر” النساء …

ربما نحن النساء لا نحتاج ان نتوقف عن الغيرة من بعضنا البعض… عن الغيرة من انجازات الاخريات… من ملابس الأخريات… من مواصفات العريس الذي "فازت” به الاخريات… ولا نحتاج ان يبدأ الرجل بالنضال الى جانبا لاجل الوصول الى منظومة حقوق متكاملة للمرأة والرجل معا… بقدر ما نحن بحاجة أن نخلع كعوبنا العالية فورا ونحطّم بها تلك الصور النمطية التي تحيط باجسادنا وشعرنا وملابسنا وهويتنا الجنسية وحرياتنا الشخصية في مجتمع ذكوريته مصدرها المرأة نفسها!!!

*صحافية وناشطة لبنانية