الطبقة الوسطى تئن وتشعر بالعزلة
تعليقاً على مقالي أول من أمس"هل نحن شعب ثري أم غارق في الدين؟"، ركزت غالبية ردود القراء والمتابعين على الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتعرضت لمعادلة توزيع الثروة؛ بيد مَنْ تتواجد، ومن هي الشريحة التي حصدت نصيب الأسد منها؟معظم الملاحظات تعكس شعوراً بتنامي الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. إذ تطرقت معظم تعليقات القراء لفكرة مهمة، هي أن"وجود ثروات بقيمة 20 مليار دينار لا يعني أبداً أن للجميع نصيبا منها؛ فشريحة صغيرة من الأردنيين هم من يتمتعون بالثراء".تفسير القراء يرتبط بشكل وثيق بغياب الشعور بالعدالة، والفشل في توزيع مكتسبات التنمية على الجميع. كما يؤكد أيضاً، وبالنتيجة، فشل السياسات التنموية، هذا إن وجدت أصلا.الكلام قد لا يكون علمياً، كونه يعتمد على إحساس المواطنين بالواقع، وليعبرعن خذلان تعمّقَ بعد سنوات طويلة من فشل السياسات الاقتصادية، وتأخّر الإصلاحات، لاسيما الضريبية منها. وهو ما عمق، بالتالي، الشعور بالعزلة بين غالبية الناس، في مواجهة فئة محظوظة لا تحصل على أعلى المداخيل فحسب، بل تمتلك معظم الثروات.بحسب دراسة الطبقة الوسطى، الصادرة في العام 2010، والتي اعتمدت أرقام العام 2008 وأشرف عليها وزير التخطيط الحاليد. إبراهيم سيف حين كان أمينا عاما للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، تكشف المؤشرات عن أن الطبقة الغنية تصل إلى 8.2 % من السكان، فيما يشكل من هم دون الطبقة الوسطى نسبة 50.8 %. وليس ثمة شك في ارتفاع النسبة الأخيرة اليوم، نتيجة عدم نمو المداخيل. إذ تؤكد أرقام رسمية أن دخل الفرد نما بقيمة13 ديناراً فقط خلال ثلاث سنوات، في وقت تضاعفت فيه الضغوطات المعيشية.في العام 2008، شكلت الطبقة الوسطى 40 % من الأسر. لكننا منذ خمس سنوات لا نملك دراسات جديدة تخبرنا ماذا حل بهذه الطبقة، خصوصا أن نسبة35 % منها كانت دوما معرضة للانزلاق إلى ما تحت "الوسطى". وأغلب الظن أن القرارات الصعبة الكثيرة التي اتخذتها حكومة د. عبدالله النسور قد أثّرت بشدة في هذه الشريحة، ودفعت كثيرا من أعضائها لمغادرتها عنوة، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وتكاليف المعيشة.تصنيف الأسر يؤكد أن تعليقات القراء وشعورهم لم يأتيا من فراغ، بل يستندان إلى واقع صعب يعيشه الناس.الأرقام الحديثة التي خرجت بها دراسة الاستقرار النقدي التي أعدها البنك المركزي أخيرا، على أهميتها، لم تحل اللغز، ولم تفسر بدقة كيف وعلى من تتوزع هذه الثروات. كما لم تحدد أيضا الفئة المقترضة من البنوك، وما إذا اقتصر جانب القروض على التسهيلات الفردية، التي نعلم يقينا أن معظمها يذهب لغايات استهلاكية، تزيد عمليا الفجوة بين الفقراء والأغنياء.خطورة هذا الشعور الجمعي تكمن في أن له تبعات سياسية واجتماعية كبيرة. فهو، من حيث لا ندري، يزيد حالة الاحتقان والغضب، ويكرس مبادئ سلبية، منها على سبيل المثال أن جميع الأغنياء فاسدون. وهي النتيجة التي توصل إليها استطلاع للرأي غير معلن، أجرته جهة رسمية.بالضرورة، هذه النتيجة غير صحيحة. لكن عقم السياسات المطبقة ينمي الشعور بالكراهية تجاه الأثرياء. فثمة أثرياء كُثُر صنعوا ثرواتهم بعرق جبينهم. بيد أن الفارق الكبير بين الناس، يجعل كل فقير ومحدود حال لا يملك أملا بمستقبل أفضل، حانقا على الآخر الذي ينعم بحياة مرفهة.الطبيعة البشرية تبحث دائماً عن إجابة لسؤال "لماذا؟". والإجابة في هذه الحالة سهلة؛ فالغالبية تعتقد أنها على هامش الحسبة والذنب ذنب الأغنياء، وهو الوضع الذي لا يخدم أحدا.الطبقة الوسطى تئن من أوجاعها التي تضخمت، تماما كمديونيتها. ومعاناة هذه الفئة تبعا للسياسات الصعبة التي تطبقها الحكومة الحالية، مستمرة. الأمر الذي يتطلب تقديم مسكنات لها، تساعدها على تجاوز السنوات الصعبة المقبلة، فنحافظ على ما تبقى منها، ونحميها من الانزلاق، لنخرج بأقل الخسائر.jumana.ghunaimat@alghad.jo