التوقيت الشتوي
بعد أن ضربت الحكومة عرض الحائط بكل شكاواه من تثبيت التوقيت الصيفي، وبعد أن فقد الأمل في أن ينظر رئيس الحكومة، وأيا من معالي الوزراء، إلى رغبته بعين العطف، وبعد أن توقفت عقارب ساعات "الدوار الرابع" عند التوقيت الذي تفضله الحكومة، فقد قرر "مواطن" الإعلان عن حملة تريح حكومة د. عبدالله النسور من تبعات التراجع عن قرار التوقيت.الخطة واضحة، وخريطة الطريق مرسومة. الحكومة تقول إن القرار يوفر 6 ملايين دينار، بحسب الآلات الحاسبة الكثيرة التي قدرت الوفر. وبالتالي، فقد قرر هو الآتي:إطلاق حملة وطنية على مستوى المملكة، بحيث يدور على بيوتاتها بيتا بيتا، طالبا من كل رب أسرة دينارا واحدا لجمع الملايين الستة؛ ثمن تعديل القرار الذي صدّع رؤوس الأسر والبشر، وأربك حياتهم حتى صار نهارهم ليلا وليلهم ليلاً أيضا!دوافع كثيرة لديه لإتمام الحملة قبل عبور الشتاء. فصورة طفلته وهي تغادر المنزل صباحا "بالليل"، تستثير مخاوفه، يزيدها الحديث عن طفلة دُهست في العتمة في طريقها إلى المدرسة. ويداهمه أيضا مشهد طلبة الجامعات ورحلتهم الطويلة التي تُقلق أهاليهم.يتزايد الخوف مع كل القصص التي تصدق وتلك التي من نسج الخيال، بحيث صارت جرائم القتل تُربط بالتوقيت.تساءَل في السر والعلن: ما الذي يجعل الحكومة، بكل أعضائها، تُصرّ على القرار، لو لم تكن الحاجة ماسة للملايين الستة؟ وتساءل أيضاً: هل تساوي هذه الملايين راحة بال الشعب؛ ألا تستحق إشاعة أجواء من الطمأنينة، التضحية بهذا المبلغ، فوق كل المليارات التي تجبيها الحكومة من جيوب الناس؟ هل "استخسرت" الحكومة، بعد كل قراراتها الصعبة التي جنت منها مئات الملايين، بضعة ملايين أخرى لإراحة الناس والعائلات التي يقض مضجعها كل يوم تعنت الحكومة، حتى إن أحداً لم يفكر في إجراء استطلاع للرأي العام حول قضية التوقيت، ومدى رضا الناس عنها؟تمنى لو أن الحكومة تصلبت، مثلا، أمام حراك مطلبي كبّد الخزينة مليار دينار؛ رواتب وعلاوات.هو يعلم أن الحكومة تظن أنّ من حقها أن تقرر له كل شيء، حياته ومماته، صحوه ونومه؛ وأن من صلاحياتها ترتيب حياته، فهو ما يزال قاصرا حتى عن التعبير عن رأيه، والحكومة تعرف صالحه أكثر منه، وتقدر على تحديد التوقيت الذي عليه هو أن يرتب حياته تبعا له.من قال إن من حقه انتقاد توقيت حددته الحكومة، حتى لو كان "يلخبط" حياته ويقلبها رأسا على عقب؟!المهم أن كل المعطيات واضحة أمامه، وهو قادر على تحليل الوضع ومعرفة ما تريده الحكومة. ولذلك قرر المضيّ في إطلاق حملته لجمع الملايين الستة ليقدمها للحكومة، أملا في التراجع عن موقف متصلب لا يدري لماذا؟أطلق المبادرة وبدأ العمل. عيّن ممثلين له في جميع المحافظات؛ شرقا، وغربا، وشمالا وجنوبا. وبدأ بتوجيههم ليتمكنوا من شرح ماهية الحملة وتفاصيلها. والهدف منها، طبعا، إقناع الحكومة بتغيير التوقيت. وهو يشبه في ذلك تماما ذاك الطفل الذي تحايل طويلا على والده ليشتري له حذاء جديدا لفصل الشتاء، لكنه وُوجه برفض لا ينتهي لأن "الحال لا تسمح".هنا قرر الولد أن يجمع ثمن الحذاء من مصروفه اليومي، وأعطاه للوالد الفاضل حتى يتنازل. وإذ وافق الأخير على مضض وأخذ المال، إلا أنه بقي يماطل في الذهاب مع ولده إلى السوق، حتى نسي الولد القصة، وانتهى الشتاء فلم تعد ثمة حاجة للحذاء.هكذا سارعت الجموع إلى التبرع وجمع المال، فبدأت الدنانير تتدفق من المتضررين من القرار أملا في إقناع الحكومة بتأخير عقارب الساعة 60 دقيقة من الزمن. في غمرة النشاط والعمل والتدقيق، خرج مناد قائلاً: من قال لكم إن الحكومة ستغير التوقيت حتى لو دفعتم الملايين الستة؟ فعناد الحكومة ليس له حدود ولا يُقدّر بثمن.