أرقام هائمة على وجهها خارج الموازنة

سبعمئة مليون دينار مديونية ثمان وزارات الى جانب مؤسسات حكومية لمصفاة البترول بدءا بوزارة الزراعة والصحة ومرورا بالملكية الاردنية، لا يظهر أثرها في الموازنة العامة سواء في رسم معالمها أو كيفية معالجتها..
ارقام ومديونيات هائمة على وجهها تبحث عمن يهتم بها ويلقي لها بالا، 700 مليون دينار كيف يتم التعامل مع هذا الرقم الضخم، وكيف يمكن سداده، هل من أموال دافعي الضرائب وأصحاب المصالح الصغرى والشركات المتوسطة من الطبقة الكادحة والمتوسطة التي باتت تكافح للحفاظ على وجودها والخروج من أزمتها، أم أنها سترحل الى موازنة جديدة ومديونية خارجية جديدة من خلال سندات اليورو بوند التي يبشرنا بعضهم بأنها ستتكرر لترتفع المديونية فوق حاجز الـ21 مليار دينار، أي ما يفوق الــ31 مليار دولار في نهاية العام 2014، الأرقام الهائمة قفزت بالمديونية، فالمصفاة مطالبة بدفع أثمان مشترياتها، وهنا نكتشف غموض عدم تراجع أسعار المشتقات النفطية مؤخرا رغم انخفاض سعرها عالميا ليدفع ثمنها المواطن البسيط. في خبر صحفي في زاوية إحدى الصحف اليومية يذكر أن البنك الدولي قدم ما يزيد عن مليون دولار كمنحة لدعم التوجهات الحكومية لمناقشة الموازنة بشفافية، رقم آخر هائم على وجهه صغير لكنه مهم، فمن هي الجهة التي تشرف على هذا الرقم المتواضع وعلى من ينفق، على مؤسسات إعلامية، على جمعيات خيرية، ومؤسسات مجتمع مدني.
مديونية مصفاة البترول لها مثيل في كل الوزارت والمؤسسات، تهيم على وجهها، فالمصفاة ليست الدائن الوحيد أو الطرف الوحيد الذي يقدم خدمات دون أن يتلقى ثمنا لما يقدمه، إن الإصرار على أن فاتورة النفط السبب في المديوينة المرتفعة والعجز الكبير الظاهر والخفي في الموازنة العامة بات محل شك حالها كحال الادعاء بأن تثبيت موظفي المياومة سبب يبرر العجز، الهدر واضح في موازنات الوحدات الحكومية، وهو لا يتوافق مع الحجم الكلي للناتج القومي الإجمالي، فالإنتاجية لا تسمح بسداد هذه الفواتير ولا تتناسب مع الأثمان المدفوعة.
أرقام هائمة تجعلنا نتوقف أمام تصريحات مسؤولي وزارة المالية والتخطيط والبنك المركزي حول إمكانية الخروج من الأزمة، وظهور آثار الاصلاح الاقتصادي والسياسة المالية خلال عامين، وهو أمر يتناقض مع التوجه العام للحكومة بالاقتراض، فالإشارات واضحة حول التوجه نحو الاقتراض الخارجي المتزايد، هناك وعود بمزيد من القروض على هيئة سندات اليورو بوند التي يبدأ سدادها بعد ثلاث سنوات لتعود خدمة الدين العام الى التركز مرة أخرى من خلال آليات السداد، أي أنه بعد عامين من الآن ستتضاعف المشكلة ولن تتحسن الظروف والأوضاع الاقتصادية، كما أن الضغوط ستمتد الى البنى الاجتماعية التي تكافح للخروج من أزمتها الذاتية اصلا، إذاً كيف ستتحسن الاوضاع بعد عامين في حين أن المديونية وخدمتها سيزداد تركيزها واستنزافها للموازنة العامة، وتركيز المديونية سيشمل مديونيات الوزارات للمصفاة بالتأكيد حينها ستظهر المشكلة على حقيقتها وبشكل فج.
في الاستراتيجية الحكومية المستقبلية يدور الحديث عن رفع ضريبة المبيعات بشكل يزيد الضغوط على المواطنين والتي بدأت آثارها تتضح الآن، وذلك بانخفاض حجم المبيعات على المواد الغذائية للشهر الماضي بنسبة 30% ليس من باب التوفير للمواطن البسيط ولكن من باب العجوزات الكبيرة التي بدأت تظهر في موازنة الاسرة نتيجة ضغوط الضرائب وضعف القدرة الشرائية للدينار، فهو رجيم إجباري وليس اختياريا للأسرة، 30% رقم هائم جديد يبحث عمن يفسر علاقته ليس بالموازنة فقط بل بأزمة المجتمع ومعاناة المواطن اليومية وبالتضخم والنمو الاقتصادي وغيره من المؤشرات المتفائلة للعامين القادمين.
بالنسبة لي لست ضد رفع الدعم عن أسعار المشتقات النفطية، فهي تخضع لمنطق السوق العالمي صعودا ونزولا بمزيد من الرقابة النيابية والشعبية فإن المطالبة بمواءمتها مع هذه التبدلات أمر ممكن، ولكن أن ترتفع ضريبة المبيعات الى 24% فهو أمر أشبه «بالقدر» لا يمكن التعامل معه من خلال منطق السوق، فهي لا تخضع مطلقا للصعود ـو الهبوط كما هو الحال في فاتورة النفط بل هي استنزاف دائم للمواطن الاردني لا يمكن مناقشته او الاعتراض عليه إن أقرت، وهي في النهاية ستطيل أمد الرجيم الغذائي الذي تمارسه الاسرة الاردنية.
أرقام هائمة تكشف الكثير من الغموض وتثير الكثير من الشكوك وترفع مستوى الاحباط، فالمديونية لم تقفز من 16 مليارا الى 18 ثم الى 21 مليار دينار الا لأن هناك خللا في رسم السياسات الاقتصادية وضعف الرقابة، الخشية أن تقفز المديونية بصورة اكبر من المتوقع لتصل مع نهاية 2015 الى 35 مليار دولار، بشكل يرفع من حجم الضغوط الاقتصادية ويفاقم الازمات الاجتماعية، وينعكس سلبا على الخدمات الصحة والتعليم وغيرها مما تقدمه الدولة لمواطنيها، من أجل ذلك الاصلاح السياسي بات أمرا مهما وباتت عملية اعادة النظر في النخبة والهياكل السياسية ضرورة حتى لا يفقد المجتمع ثقته في دولته ومؤسساته ويهيم على وجهه كحال الأرقام الهائمة الآن على وجهها.