أم حسين

أم حسين
بقلم- رائد علي العمايرة

لطالما حزنت وأنا أراها عائدة من المستشفى تتهادى بين اثنين من أولادها أو أحفادها،يسندونها كي لا تقع، ثم تستريح ما بين الخطوتين والثلاثة،بعد أن نالت منها، كل أمراض الشيخوخة.
كم كانت مليئة بالنشاط، وقد ربطت منديلا، وعقدته في أعلى رأسها،بينما تمتشق سيجارة الريم.
كان صوتها حانيا ودافئا،تعطف على كل صغار الحي.
عندما كنا صغارا،كانت أم حسين تبيعنا العلكة، وتصنع مثلجاتٍ(أسكيمو) أحيانا بحليب اللاجئين،وأحيانا بأصباغ ملونة، كان الأسكيمو يأخذ شكل كوب الشاي،أما العود الذي يحمل الحبة،فكان عودا لقيطا،فأحيانا يكون جديدا، ألقاه طفل بعد أن اكل قطعة (أسكيمو)اشتراها من الدكان، وأحيانا يكون العود مشوهاً،لكثرة ما داسته الأقدام قبل أن يُعثر عليه.

كنا نعرف قيمة هذه الأعواد لديها، لذلك كنا نتقرب إليها بجمعها، فلا نهمل في طريقنا، أي عود نعثر عليه،فكم كنا نطرب لمديحها لنا، عندما نعطيها الأعواد،خصوصا إن كانت الأعواد بحالة جيدة، كما أننا سنضمن أن نشتري حبة أسكيمو بعود لائق.
عندما كانت ام حسين تفتقر للعيدان،كانت تأخذ أعوادها من الأشجار، وتضعها في أكواب الأسكيمو،وربما اشترينا منها حبة،عودها من الزيتون، أو اللوز،وكنت أقدر لها أنها كانت تتجنب التين،لأنه ربما يضيف (للأسكيمو) طعما سيئا.

اليوم امتلأت حزنا،وزاد دفق الأسى في نفسي،وتجرعت أربعين عاما، من الذكريات،دفعة واحدة،بعد أن أفرغوا بيتها، تذكرت الأسكيمو بنكهات أعواد اللوز،والزيتون،والأعواد المستعملة،وتذكرت امرأة كانت تحنو علينا،وتذكرت عشرة طويلة،وتذكرت أبي حسين،وحزنت لبيت من بيوت الجيران تمت تصفيته بالكامل،واليوم زاد حزني، عندما رأيت أمي، وقد اصفر وجهها هلعا، منذ رحلت أم حسين،حزنا عليها، وخوفا من الموت. رحمة الله عليك يا أم حسين.