كيف لا نقلق؟!
من الطبيعي أن تثير قضية دعوى شركة قطرية بوجود اتفاقية لبيعها أسهم مؤسسة الضمان الاجتماعي في بنك الإسكان، قلق الأردنيين البالغ، وأن تؤجّج مخاوفهم على هذه الثروة الوطنية التي تمسّ مستقبل كل الأردنيين؛ فأيّ تلاعب أو تهاون في الحفاظ عليها، يهدد مصير الدولة نفسها، ويطيح بالاستقرار السياسي والمجتمعي!في الوقت نفسه، فإن من الضروري، أيضاً، أن لا نستعجل في إطلاق الأحكام، والوصول إلى خلاصات. والمطلوب من الحكومة الأردنية، هو القيام فوراً بدراسة الأمر، وربط الحلقات المفقودة، بما تملك من قدرات أمنية وخبرات تمكّنها، خلال فترة محدودة، من بناء الرواية الكاملة لما وراء هذه القصة، وخلفياتها.قبل أن نكون أمام قضية تحكيم في محكمة بريطانية (بقانون سويسري)، فإنّنا أمام قضية أمن وطني في أعلى مستوياته، وتتجاوز الخطوط الحمراء كافّة. والحكومة، وأجهزة الدولة المختلفة، والإعلام، والنخبة الوطنية، جميعهم معنيون بكشف تفاصيل هذه القضية، وتحديد ما إذا كانت أطراف محلية متورطة فيها، لا تتورع عن التلاعب بالأمن الوطني وضرب الدولة بالمواطنين، أم لا!كيف لا نقلق، ولا نشعر بالارتياح، ولا نكتفي بالبيان الرسمي من الحكومة وصندوق استثمار أموال الضمان، ولا بتأكيدد. ياسر العدوان على أنّ التوقيع مزوّر؟! فثمّة خلفيات لهذه القصة، وتجاعيد غير مريحة خلال السنوات الماضية، ومسؤولون كانوا يدفعون ويضغطون على "الصندوق" من أجل بيع أسهم "الضمان" في بنك الإسكان، في إصرار غير مفهوم ولا منطقي، على التضحية بحصتنا المتواضعة في مؤسسة اقتصادية رابحة!كيف لا نقلق أيضاً، ونُصاب الهلع، من أنّنا لم نتعلّم الدرس، بالرغم من كل ما حدث خلال السنوات الماضية، وما أدّت إليه الملفات المشبوهة، والصفقات غير القانونية، وغياب الشفافية؛ وبأنّه في حقبة الربيع العربي ما نزال نتحدث عن تفاصيل وخفايا غير معروفة فيما يتعلّق بالمال العام وإدارة الشأن الاقتصادي؟!ما تزال ثمة حلقات غامضة في ملف الكازينو إلى اليوم، وما تزال تفاصيل في ملف بيع "الفوسفات"، وملف بيع شركة اتصالات رئيسة، وملف "موارد"، وقضايا عديد أخرى، غير معروفة، ومجهولة النسب، وكأنّنا نتحدث عن ألغاز وأسرار، لا عن معاملات مالية قانونية، تتطلب عملية إدارية واضحة وشفّافة وواضحة!الحكومة، بل الدولة، أمام تحدٍّ كبير اليوم في موضوع هذه الدعوى. وأضمّ صوتي، هنا، إلى بسمة الهندي وأيمن عبدالرؤوف (في تعليقيهما على مقال الزميلة جمانة غنيمات أمس) بالمطالبة بتحقيق وطني على أعلى درجة من الاهتمام والاحتراف، للوقوف على التفاصيل كافة، من جهة، وتطبيق معايير الحاكمية الرشيدة والشفافية ليس فيما يتعلق بالموازنة، بل بالأموال العامة، وحتى شركات المساهمة المحدودة جميعاً، من جهة أخرى. وكذلك إلزام الحكومة و"الضمان"، وأي مؤسسات أخرى، بالإعلان عن الاتفاقيات ومضامينها في الإعلام والصحف، فور التوقيع، وتجريم أي اتفاقية تتعلق بالأموال العامة لا يتم الإعلان فوراً عنها وعن تفاصيلها أمام الرأي العام.في هذه القضية تحديداً، ثمة خصوصية أخرى، من المفترض أن تكون معروفة للجميع، وهي أنّ أموال صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي خطّ أحمر غامق، وقضية لا مجال للتهاون أو التراخي فيها؛ فليس مقبولاً بيع أسهم "الضمان" في بنك الإسكان، لا للقطريين، ولا للكويتيين ولا للإيرانيين حتى. فلا يوجد ما يبرّر، اليوم على الأقل، ولا حتى ما يفسّر، التخلي عن هذه الحصة الرابحة، إلاّ وجود رائحة غير مطمئنة، ومصالح شخصية، وأبعاد سياسية مريبة!m.aburumman@alghad.jo