مولاي؛ نحن لا نخشاك، لكننا نحبك ولا نحب أحداً غيرك؟
كتب تحسين التل:- إن كنا يا مولاي قد أحببناك، فإننا لا نحب أحداً غيرك، وإن رضينا بحكمك فهو تاج على رؤوسنا، ولا نقبل عنك بديلاً حتى لو كان رسولاً، لكننا لا نقبل بأن تتكاثر علينا الرسل، ولا نرضى بحكم من حولك، ولا بحكم من يعتبرون أنفسهم فوق المساءلة، ومن يظنون أن البلاد أصبحت مراح وبراح ويا خيل شدي واركبي؟
نحن شعبك الوفي، نخوض معك البحر لو خضته، ولا نقول لك إذهب وها نحن قاعدون، ونموت من أجلك إن رأينا دمعة تسقط من إحدى عينيك، ونضحي بدماءنا وأرواحنا من أجل عرشك الذي يجمع عليه؛ ويلتف حوله كل الأردنيين، لكننا إن جعنا يا مولاي؛ - ونعرف أن جوعنا ليس من سياستك الحكيمة، ولا بخل منك أو شح، أو تقصير لا سمح الله، فأنت أبو المكارم، وبإسمك نكرم، وفيك الكرم كله- إن جعنا في بلدنا وشبع الغرباء لن تستقيم الأمور، وإن عرينا وارتدى غيرنا ما خلعناه عنوة وكشفت عوراتنا، فعورة الشعب من عورة النظام، ونظامنا ولله الحمد لن يعرى أو يتعرى طالما هناك شعب اسمه الشعب الأردني، لكننا يا مولاي نسكت إكراماً لك، ونصمت بل نطبق أفواهنا حباً فيك، ونتحمل الإهانة، والذل من أجلك، وصبرنا على حكم الغرباء ومن جاء بالأمس حتى جلس بيننا، وما لبث أن صرنا بينه، بل تركنا له صدر البيت وطردنا الى عتبة الدار، وتحملنا، وها نحن نتحمل حتى ظن البعض أن فينا عجزاً وقصورا وترهلاً وشيخوخة مبكرة، وصار يأكل فينا لحماً؛ ولم يكتفي، بل طحن عظامنا وحولها الى إسمنت لبناء القصور، وبقينا كما نحن؛ في بيوت الطين في الريف والقرية والمدينة، وخرابيش تتناوشها الرياح بعد أن هدمت أعمدتها، ومخيمات لا زالت مبنية من الصفيح ولا يسترها سوى بعض مكارمكم، وتمادى علينا كل طامع فينا وفيك وبحكمك الرشيد، حتى ظنوا أن البلاد مستباحة هي وأهلها، واستغلوا كرم الأردني وفكروا أنه نوع من الهبل، وتكاثروا علينا ونحن كثرة، ولم نسكت إلا من أجل ألا يقال عنا: الأردنيون ليسوا من أهل النخوة والشهامة والكرم، فانقلب الأمر علينا واستغلونا أبشع استغلال.
سيد البلاد، وحبيبنا جميعاً: لقد تحولت البلاد الى دوائر فرعية، وهي ليست بالضرورة كمثل دوائر البرلمان الوهمية، بل أسوأ من ذلك، وتحول الوطن الى كوتات، فالغني له كوتا لاستملاك السكر والرز، وكوتا للحوم، ومن جلسوا فوق رقابنا: كوتا للشركات والبنوك، وآخرين: كوتا لخصخصة المؤسسات وما تبقى من مقدرات الدولة، وكأنهم يا مولاي يريدون أن يسحبوا صلاحياتك فلا يتبقى لك من الأمر شيئاً، فالحكم يجب أن يحتوي على مؤسسات دستورية، وثروات؟ فإن بيعت ثروات الوطن؛ ما هو الدور الذي ستقوم به الحكومة التي قمتم بتكليفها لتسيير شؤون الدولة، وما هو الدور الرقابي الذي سيقوم به مجلس الشعب، هل يكون دور الحكومة هو جمع الضرائب، وإرهاق الشعب بغلاء الأسعار؛ إذا كان الأمر كذلك، فما حاجتنا الى تشكيل حكومات تكلف موازنة الدولة مئات الملايين ويستطيع مكتب لجباية الضرائب أن يقوم مقام الحكومة، وما حاجتنا الى البرلمان طالما لا يوجد تشريع أو رقابة تنفع الوطن والمواطن، الأجدر أن نوفر ما ستصرفه الدولة على حكومات وبرلمانات لا طائل منها.
المواطن ما عاد يحتمل يوما إضافياً من أيام شد البطون، فقد تقطعت بنا السبل، ولم يبقى أمامنا إلا أن نبدأ بالإنتحار الجماعي للتخلص من عبء فرضه علينا من كانوا يلتفون حول العرش، ومن كانوا يضربون باسم السلطان، ومن نهبوا الدولة باسم الأوامر العليا، ومن كانوا يشلحون الناس ثيابهم باسم الديوان الملكي؛ وأنت منهم براء، لكنهم كانوا يقولون هذا خطاً أحمر، هذه أوامر عليا (من فوق) لقد صدقناهم، وقلنا: نغضب نحن ولا يغضب الملك، نتحمل عاماً آخر كما تحملنا أعواماً وأعوام، نحن شعب أبا الحسين الوفي، نحن من يحمي أركان العرش، فإن استقمنا استقام، ونحن والله نستقيم ولو على حساب جوع أطفالنا، لكن...؟
لكن يا سيدنا وولي أمرنا وتاج رؤوسنا التفوا من حولك ومن حول الحكومة، ومن حول التجار، ومن حول خزينة الدولة حتى أصبحوا كالبرامكة إبان حكم هارون الرشيد الذي منحهم خاتم السلطة، وخاتم الدولة، وخاتم بيت أموال المسلمين، فبدؤوا يجيرون السلطة باسمهم، ويقولون: لقد أمر الخليفة، وينهبون بيت مال المسلمين، ويحدثون الناس عن الإنجازات والإصلاحات، مع أنهم كانوا يقيمون السهرات والليالي الملاح بأموال الأمة الإسلامية، وكانوا يوظفون أتباعهم، وأصحابهم، ومن والاهم كما فعل الرفاعي عندما جلب الكبيتاليين وزجهم في حلوقنا، وكانوا يعتقلون باسم الخليفة، ويعدمون المسلمين باسم الخليفة، حتى بلغ السيل الزبى، فتخلص منهم هارون الرشيد في ليلة واحدة، وسميت نكبتهم في التاريخ بنكبة البرامكة، فهل نحتاج الى أن تقوم بنكبة جديدة وتخلصنا منهم؛ حتى نطلق عليها: نكبة الكبيتاليزم، والديجتاليزم، وغيرها من الأسماء التي شوهت صورة الوطن وجعلته قاتماً ربما يحمل مستقبلاً مظلماً لا يعرف مداه إلا الله جل وعلا.
نعم يا مولاي نحن نحبك ولا نحب أحداً بعدك، ولا نريد لأحد أن يحكم باسمك، ولا نقبل أن يكون بيننا ثلاثة أو أربعة ملوك، فالملك واحد، وولي الأمر واحد، ومال الوطن للوطن والشعب، ومن حكمهم على مقدرات الدولة قادر على محاسبتهم، فإن قصرت مكافحة الفساد، والرقابة والتفتيش، وديوان المحاسبة، والمخابرات، والداخلية، والحكومة، والبرلمان، وكل المؤسسات التي لا تعمل إلا من أجل المال، فلن تسكت أنت، ونعلم أنك تعمل وتواصل الليل بالنهار، لكن لكل إنسان طاقة معينة، ولا يكفي ما تقوم به وحدك، لكننا نطلب من الله أن يعينك ويساعدك ويمنحك الصحة والعافية، لتبقى الراية التي يستظل تحتها شعبك الوفي.
لو قمنا بمقارنة بين رؤساء وزارات منذ تشكيل الإمارة والمملكة وحتى عهدنا الميمون، ونظرنا الى حكومة هزاع ووصفي واللوزي والطراونة والقائمة تطول، وبين حقبة الرفاعي، وما حوت، وحقبة الذهبي وما حوت، وحقبة أبو الراغب وما حوت، سنجد اختلافاً في النظرية والتطبيق، اختلافاً بين الرجال، وبين السياسات، منهم من حافظ على الأرض، والشجر والحجر، ومنهم من باع الأرض والشجر والحجر؟!
لم يعد لدينا شيئاً نخاف عليه، أو نحسب له حساب، أو ندخره للمستقبل، فما عاد لنا مستقبل يعتد به، فالمؤسسات بيعت وذهبت أدراج الرياح، والحكومات تتكالب علينا لتمص دماءنا، والبرلمانات تولد مشوهة، والوطن أصبح لغيرنا، وهناك قوى تحاول طرد المواطن من وطنه واستبداله بأبناء الضفة والقطاع والقدس تمهيداً للوطن البديل، وإسكان العراقي والسوري والكردي حتى يهرب إبن العشيرة من عشيرته، ومن وطنه، ويترك الأمر لصاحب الأمر: المالك الجديد، والمواطن المستحدث؛ فقد انتهى زمان الأردني وأصبح مثل خيل الإنجليز ينتظر رصاصة الرحمة، لذلك؛ أدرك شعبك ووطنك يا مولاي، فإني لك ناصح أمين...
رئيس تحرير وكالة نيرون الإخبارية، كاتب ومحلل سياسي في صحيفة بيروت أوبزرفر