فشل المفاوضات وتغيير قواعد اللعبة
خصّ الكاتب السياسي حماده فراعنه، صفحات وقراء « الدستور «، بآخر إصداراته الكتاب المرجعي الهام « فشل المفاوضات وتغيير قواعد اللعبة « في سلسلة كتبه «معاً من أجل فلسطين والقدس»، والفراعنه المعروف عنه كباحث ملتزم عميق الاختصاص بالقضايا الفلسطينية والإسرائيلية، وجاد، يحمل رؤية سياسية ذات حضور، دفع ثمنها سنوات طويلة من حياته في العمل الكفاحي المباشر، قضى منها أكثر من عشر سنوات في السجون والمعتقلات في أكثر من بلد عربي، يتميز بسعة اطّلاعه، وقربه، من أصحاب القرار، بدون تكلف وادعاء، وتم اختياره في العديد من المحطات السياسية، مكلفاً بمهام صعبة، نجح فيها بصمت، وانعكست خبراته هذه، على امتلاكه للمصداقية السياسية والمهنية، حين تناول القضايا التي تشغل الرأي العام، وفي عرض مواقفه، والدفاع عنها بقوة مهما كلفه ذلك من ثمن، كالاعتقال والفصل من العمل وغيرها من الوسائل التعسفية.
« فشل المفاوضات وتغيير قواعد اللعبة «، الكتاب الثاني الذي تناول فيه الكاتب، المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، بعد كتابه الأول الصادر عن دار الجليل عام 2011، والذي حمل عنوان « المفاوضات وصلابة الموقف الفلسطيني «، وفي كتابيه يعتمد الكاتب على الوثائق ومحاضر الاجتماعات والاتصالات المباشرة، التي أطلعه عليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس مباشرة، وكذلك صائب عريقات عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير رئيس دائرة المفاوضات لديها، ولهذا فقد أكسب الكتاب الثقة والأهمية، لأن مصدره، مطبخ صنع القرار الفلسطيني، حيث يقدم لهما الشكر، على هذه الثقة،
إذ لولاهما لما كان هذا الكتاب .
كتاب حماده فراعنه الذي تنشره الدستور على حلقات يومي الأحد والخميس من كل أسبوع، يهديه إلى ياسر عرفات وجورج حبش وأحمد ياسين وتوفيق طوبى، شموع الوعي والنضال، التي أنارت للشعب العربي الفلسطيني، طريق الحياة، وفق وصف الفراعنه لهؤلاء القادة، من أجل الحفاظ على حقوق الشعب العربي الفلسطيني الثلاثة واستعادتها كاملة غير منقوصة :
1- المساواة لفلسطينيي مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة.
2- الاستقلال لفلسطينيي مناطق الاحتلال الثانية عام 1967، أبناء الضفة والقدس والقطاع.
3- العودة لفلسطينيي اللجوء والشتات، أبناء المخيمات وبلدان المنافي، وعودتهم إلى المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948، إلى اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع، واستعادة ممتلكاتهم فيها وعلى أرضها .
وكاتبنا المميز حماده فراعنه، سبق له وأن عمل في « الدستور « كاتباً يومياً متفرغاً لتسع سنوات متتالية، تركها بعد نجاحه ليكون نائباً منتخباً في مجلس النواب الأردني الثالث عشر عام 1997، حاصل على وسام الاستقلال من الدرجة الأولى من جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، ووسام القدس من الرئيس الراحل ياسر عرفات، وهو عضو في المجلس الوطني الفلسطيني، منذ عام 1984، وعضو مراقب لدى المجلس المركزي الفلسطيني، ولديه أربعة عشر كتاباً مطبوعاً في قضايا أردنية وفلسطينية وعربية، ويعمل مقدماً لبرامج سياسية في أكثر من محطة تلفزيونية وإذاعية، وآخر إصداراته كان عن ثورة الربيع العربي أدواتها وأهدافها 2011، وحركة الإخوان المسلمين ودورهم السياسي 2013.
] المحرر
المقدمة : ضرورة لا بد منها
مع نشر هذا الاصدار يكون قد مرّ على بدء المفاوضات الفلسطينية- الاسرائيلية اكثر من عشرين عاماً، حافلاً بالوقائع والتطورات التي لا يتسع لها المقام، بما في ذلك انعقاد مؤتمرات مخصصة للمضي قدما في هذه العملية، وحدوث سلسلة طويلة من الجلسات التفاوضية المباشرة، واجراء عدد هائل من اللقاءات والمساعي والوساطات متعددة الاطراف، ناهيك عن الاحداث والحروب والعمليات العسكرية، التي وقعت على هامش العملية التفاوضية، وخاطبت اطرافها بصورة مباشرة او غير مباشرة ، على أمل الوصول إلى التعايش والسلام بين الشعبين، على قاعدة قرارات الأمم المتحدة ، باعتبارها مرجعية هذه المفاوضات، ويجب أن تكون .
ونظراً لطول المسار الذي قطعته المفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية ، وتتابع المراحل التي عبرتها خلال السنوات الطويلة الماضية المضنية ، فإنني اسمح لنفسي بتركيز مادة هذا الاصدار على الفترات الاخيرة من عمر هذه العملية ، لا سيما خلال فترة تولي بنيامين نتنياهو مقاليد الحكم والسلطة لدى المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، لمرة ثانية ، مع التوقف ملياً عند محطة ما عرف باسم «المفاوضات التقريبية» اواسط العام 2010، ثم ما تلاها مفاوضات مباشرة جرت تحت الرعاية الاميركية ، وبعد ذلك المفاوضات الاستكشافية في عمان تحت الرعاية الأردنية وبحضور أطراف اللجنة الرباعية في شتاء العام 2012.
تغطية مسار التفاوض
وزاد من شعوري باهمية تغطية هذه المرحلة المتأخرة من زمن المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية ، انها فترة لم تحظ بالاهتمام والمتابعة ، بالقدر الذي كانت عليه التغطية المكثفة لهذه العملية في المراحل السابقة ، اي في فترة انطلاقها اوائل عقد التسعينيات من القرن الماضي ، وتواصلها على هذا النحو او ذاك طوال سنوات عديدة لاحقة ، الامر الذي يوفر المسوّغ الكافي من وجهة نظري ، ككاتب مختص بشجون هذه المسألة وشؤونها ، لاصدار هذا الكتاب المقدر له ان يغطي بعض الجوانب المهمة من مسار عملية التفاوض في طورها الاخير، الذي بدأ قبل أكثر من ثلاث سنوات ولم تنته فصوله بعد.
لقد حظيت المفاوضات بتغطية شبه شاملة خلال مراحلها المتعددة الاولى ، اذ بادر الجانب الاسرائيلي ، وعلى نحو عاجل ، بتدوين تفاصيل مرحلة اوسلو، حيث اصدر المفاوض الرئيسي في تلك المرحلة ، السفير اوري سافير، كتاباً جامعاً عن اتفاق اوسلو، ثم تلا ذلك صدور كتاب آخر باسم الرئيس محمود عباس ، وكان يشغل في ذلك الوقت امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إضافة إلى كونه المرجع القيادي مع الرئيس الراحل أبو عمار للمفاوض الفلسطيني في اوسلو ، حيث عرض فيه ابو مازن بعض الجوانب المهمة من وجهة النظر الفلسطينية.
كما قام احمد قريع ابو علاء وبعد مرور نحو عشر سنوات على توقيع اتفاق اعلان المبادئ عام 1993 ، باصدار كتاب مرجعي شامل ، غطى فيه تلك المفاوضات باسهاب شديد، ونشر فيه الوثائق ومحاضر الاجتماعات وغير ذلك من التفاصيل ، فكان ذلك الاصدار واحداً من بين اهم المراجع الوثائقية عن اوسلو ، كما واصل ابو علاء ذات المهمة ، لا سيما وانه كان الرجل الذي قاد سائر الوفود الفلسطينية المفاوضة في حينه ، باصدار كتاب مرجعي آخر عن مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 ، واتبعه باصدار شامل عن المرحلة التي عرفت باسم خريطة الطريق ، ليأتي الاصدار الرابع والاخير (تحت الطبع) عن مفاوضات انابوليس التي استغرقت اثني عشر شهرا بين عامي 2007 و 2008.
حلقة أخرى متممة
وعليه ، فإنني اعتقد ان هذا الكتاب يشكّل حلقة اخرى متممة من سلسلة إلاصدارات الخاصة بالمفاوضات ، معتمداً فيها ومن خلالها على تقارير ودراسات موثقة ، أطلعني عليها ، وقدمها لي صائب عريقات عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ، مسؤول دائرة المفاوضات فيها ، وهذا كتابي الثاني الخاص بالمفاوضات ، ولذلك ، إن اختلفت الازمان وتغيرت القراءات واسماء الكتّاب ، الذين بادروا كل باسلوبه وعلى طريقته ، بتغطية المسار التفاوضي المديد ، فلا شك أنني وغيري ، سنسعى من أجل إكمال هذه العملية التوثيقية السردية التحليلية ، بما يشمل المراحل الجارية ، وربما اللاحقة ، من هذه العملية ، واعني بذلك المفاوضات التي تتم فصولها الآن ، تحت الرعاية الاميركية الحثيثة ، من قبل الوزير جون كيري والسفير مارتن أنديك ، ويقودها من الجانب الفلسطيني صائب عريقات ومعه محمد إشتيه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، وعن جانب العدو الإسرائيلي تسيبي ليفني وزيرة العدل في حكومة نتنياهو ومعها المحامي إسحق مولخو ، مستشار نتنياهو الخاص والمباشر ، ولمدة من المقرر لها ان تنتهي في نهاية أذار من العام 2014 .
اما فيما يخص المحتوى، فقد نحى هذا الاصدار المنحى التحليلي ، الذي يقوم على قدر من السرد التاريخي ، لعل كاتب هذه السطور يستطيع تقديم وجهة نظر اوسع ، وعرض رؤية تستطلع المستقبل ، على قاعدة متماسكة من المقاربات الموضوعية الشفافة ، المستمدة من خبرة شخصية ، وتجارب سياسية متراكمة على مدى عقود زمنية ، مكنت صاحبها من فهم الوقائع على نحو اعمق ، وادراك الحقائق السياسية بصورة اشمل ، ومن ثم البناء على المقدمات الصحيحة وصولاً الى الاستنتاجات الصلبة.
لقد مرّت مادة هذا الكتاب على اتفاق اوسلو بعجالة ، مع عرض بعض الوقائع غير المتداولة ، وقدر من المناقشات الداخلية اللاحقة على توقيع هذا الاتفاق ، كما تم الحديث لماماً عن مفاوضات انابوليس ، الا ان الكتاب كان اكثر اهتماماً بما جرى في السنوات الاخيرة ، واعني بذلك المفاوضات التقريبية ، التي حصدت فشلاً محققاً ، ثم بعد ذلك المفاوضات الاستكشافية التي كان حصادها اشد مرارة من سابقتها .
الحقوق الثلاثة
كما عرّج هذا الاصدار على الجهود الدبلوماسية الفلسطينية المتعلقة بنيل عضوية فلسطين في منظمة اليونسكو ، ثم تطرق الى الجهود الفلسطينية المبذولة بعناية خاصة ، الامر الذي ادى الى النجاح في ترقية وضع فلسطين في الامم المتحدة الى مرتبة دولة مراقبة ، وذلك رغم كل تلك المعارك الضارية ، التي شنتها كل من اسرائيل والولايات المتحدة ، للحيلولة دون تحقيق هذا الانجاز الفلسطيني التاريخي الهام ، فكانت هذه الترقية بمثابة هزيمة دبلوماسية كاملة لكل من اسرائيل والولايت المتحدة اللتين وقفتا وحدهما تقريبا في الجمعية العامة ضد هذه الترقية ، ولتدلل أيضاً أن المفاوضات كشكل من أشكال العمل الكفاحي لإستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، الكاملة غير المنقوصة ، لا يعني أنها تشكل بديلاً عن الوسائل السياسية والدبلوماسية الأخرى ، لإقرار الحقوق الفلسطينية ، سواء من قبل الأمم المتحدة التي أصدرت شهادة ولادة إسرائيل من خلال قرار التقسيم أو غيره من القرارات ، أو من قبل الدول المختلفة في العالم ، على طريق إستعادة حقوق الشعب الفلسطيني الثلاثة :
1- حقه في المساواة في مناطق الإحتلال الأولى عام 1948 ، تنفيذاً لمعايير وحقوق الإنسان على أرضه وفي وطنه .
2- حقه في الإستقلال في مناطق الإحتلال الثانية عام 1967 ، تنفيذاً لقرار التقسيم 181 .
3- حق اللاجئين في العودة إلى اللد وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع ، وإستعادة ممتلكاتهم فيها وعلى أرضها ، تنفيذاً للقرار الدولي 194 ، ويمكن أن يتم ذلك بشكل تدريجي متعدد المراحل ، وفق قرار المجلس الوطني الفلسطيني على قاعدة البرنامج المرحلي .
وهكذا ، فإن جل ما يتطلع واضع هذا الكتاب الى تحقيقه ، هو ان يتمكن من ابداء وجهة نظر اخرى في سياقات السجال الداخلي الفلسطيني المحتدم حول مآلات عملية التفاوض المتنقلة من تعثر شديد الى تعثر اشد ، وان يسهم ايضاً في تغطية الوقائع والتطورات التي جرت في غضون السنوات القليلة الماضية ، على نحو يسد هذه الثغرة ، او قل هذا الفراغ في المكتبة السياسية الفلسطينية ، التي تترقب قيام المنخرطين في المفاوضات الجارية بسرد وتوثيق وتحليل ما جرى في اطارها من مواجهات واشتباكات دبلوماسية ضارية ، في وقت لاحق.