محمود الداوود يكتب : قراءة في رد الحكومة على كتاب التكليف
أخبار البلد - أورد رئيس الوزراء د.معروف البخيت في رده على كتاب التكليف عدة نقاط هامة يمكن اعتبارها خطة عمل الحكومة في الفترة القادمة، وقدم عدة تعهدات وتأكيدات أتوقف عندها لمزيد من التعرف ببرنامج الحكومة، وهي على النحو التالي:
- أكد رد الحكومة على الحوار المعمق والجاد، مؤكدا انه "الطريق الوحيد الآمن والمختصر، للوصول الى صياغة البرامج ودراسة التشريعات وتحديثها"، مع تعهد حكومي بمواصلة هذا الحوار "الممنهج والواضح"، وأن لا يكون حوارا "موسميا".
- في كتاب الرد شبه اعتراف ضمني بأن السياسات الاقتصادية انما هي اجتهادات قابلة للتغيير، فجاء في الرد "فالسياسات الاقتصادية السابقة وحتى القائمة انما استندت الى قراءات متباينة، وخضعت لظروف وخلفيات راسميها، وهي بمجملها ليست قدرا لا مفر منه، وانما اجتهادات ورؤى ومحاولات حثيثة بعضها أصاب وبعضها أخفق"، وهنا ربما اشارة واضحة الى اعادة النظر ببعض ما جاء في الموازنة المطروحة للثقة في مجلس النواب وامكانية إلحاقها بملحق، إذ لا أرى مبررا لسحبها بالكامل، وهو ما قد يحدث على وجه السرعة.
- أشار كتاب رد الحكومة الى ان المعارضة "عريقة وذات تقاليد راسخة لا تعرف الا خندق الاردن المنيع، وهي معارضة ملتزمة ومنافحة عن طريق الوطن ومنجزاته"، وهذا تعبير جيد من رئيس الحكومة يضعه في طريق الحوار المطلوب منه والذي سبق ان اشرنا إليه.
- دعا كتاب الرد الى مزيد من الدعم للعمل الحزبي بتوفير المنابر والامكانات للوصول الى حياة حزبية ذات برامج وأفكار تجعلها مؤهلة "للفوز بمقاعد البرلمان"، وقال: "وسيكون لقانون الانتخاب الجديد اولوية متقدمة، بحيث يتركز الحوار السياسي بالشراكة مع مجلس الأمة، ومع كافة الأطياف، وصولا إلى توافق ممكن وملح للتعديلات الضرورية"، ثم استعمل كلمة "دفعا" وكلمة "تسريعا"، وهذا يتطلب جهدا وعملا غير مسبوق من حيث السرعة والإجادة في النتائج.
- ثم تحدث عن الاعلام وبدأ الكلام في هذا الاتجاه مشجعا، ومؤكدا على ان يكون عمل الاعلام "بلا ضيق صدر أو أفق ودون عوائق"، وهذا ما ينسجم مع ما جاء في كتاب التكليف نصا "ايجاد البيئة الكفيلة بممارسة الاعلام المهني المستقل دوره من دون أي قيد أو عائق"، ورغم تخوف الجسم الصحفي من اصدار تشريعات تحد من الحرية الصحفية، إلا أن رد البخيت يبدو مطمئنا الى حين اصدار تلك التشريعات.
- الحديث عن الشباب جاء بلغة عامة، "الحكومة ملتزمة بتوفير كافة أشكال الرعاية وتأمين المنابر اللازمة لهم للتعبير عن أفكارهم وتطلعاتهم وترسيخ شراكتهم"، وأعتقد أن هذا يحتاج الى تفعيل دور المجلس الأعلى للشباب، وإلى تعاون وانسجام اكبر مع الجامعات وإيجاد الكثير من وسائل تعبير الشباب عن طموحاتهم وآمالهم ومنحهم الثقة في النفس، وكذلك طرح فكرة عودة خدمة العلم فكرة سديدة، ولكن ننتظر الأفكار الجديدة، إذ لا يعقل ان تكون خدمة العلم كما كانت في السابق، فلا بد من التطوير، ولم يحدد رد البخيت آلية ما ستقوم به الحكومة بالنسبة للمؤسسات والبرامج والسياسات الراعية لقطاعات الشباب، واكتفى الرد بالقول: "كما ستعيد الحكومة النظر في المؤسسات والبرامج والسياسات الراعية لقطاعات الشباب، بهدف رفع سويتها وتأكيد دورها في خدمة الشباب"، ولم يتم تحديد فترة زمنية ولا برنامج واضح لتحقيق ذلك.
- وانتقل الحديث إلى الجامعات بتعهد بأن تلتزم الحكومة بالبدء بمراجعة حقيقية وممنهجة لواقع جامعاتنا، وأعتقد أن هذا تحد كبير أمام الحكومة عليها أن تنجزه سريعا أيضا، دون أن ننسى أن الشباب في الجامعات لهم ارتباط خارج أسوار الجامعة: ارتباط الأسرة، ارتباط المجتمع، ارتباط العشيرة، ارتباط الأندية والارتباط الاكاديمي العلمي نفسه، وهذا يجعل من المهمة صعبة ومعقدة وتحتاج الى التوفيق بين كل تلك الجهات. كما أن له خلفية مهمة تبدأ بتأهيل الطالب منذ المراحل العلمية الأولى من الأول الابتدائي امتدادا الى الثانوية العامة للوصول الى السن المؤهل لدخول الجامعة.
وهو ربما ما وصل اليه كتاب الرد الحكومي الذي نص على "التركيز على العملية التربوية، وتجسيد مكانة المعلم كنموذج وقدوة، وتمكينه من القيام بواجباته تجاه الأجيال القادمة، بثقة واقتدار، مع توفير البيئة المدرسية اللآزمة"، وهذا لا يكفي اذ لا بد من اعادة النظر بساعات الدراسة في المدارس وحجم الحصة الدراسية والمواد غير الممنهجة وايجاد نشاطات ذهنية وجسمانية للطلبة وتوفير ملاعب لهم داخل مدارسهم وتفعيل ما هو موجود منها، وهو ما نطالب به أيضا أمانة عمان الكبرى بضرورة توفير ملاعب مؤهلة داخل الحارات السكنية في قلب عمان والبلديات كذلك، لتفريغ طاقة الشباب في اللعب الحر في الساحات عند مساكنهم، مما يعزز لديهم حب التنافس الشريف، ويبعدهم عن أماكن مضايقة العائلات في المولات والحدائق العامة وحتى في الشوارع العامة أمام العمارات السكنية.
- أكد رد الحكومة على التزامها بمواصلة العمل على تحقيق غايات وأهداف البرامج الاقتصادية، وتحفيز زيادة إنتاجية وكفاءة الاقتصاد الوطني للوصول إلى القيام بدوره المطلوب في مكافحة الفقر، وتوفير فرص العمل للعائلات، وأكد كتاب الرد على أن الحكومة ستعمل على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وهو ما نسمعه من كل كتب الرد الحكومي وبرامج الحكومات دون أن نرى أي خطوة إيجابية في هذا الاتجاه أو تقديم إيضاح لآلية هذه الشراكة بدءا من إيجاد قوانين تلزم القطاع الخاص بالالتزام بالحد الأدنى من الأجور والتأكيد على إعطاء منتسبيه حقوقهم المالية كاملة، إضافة إلى تشجيعه على إيجاد فرص عمل كفيلة بحل مشكلة البطالة والتعاون مع أصحاب الأفكار الاستثمارية مهما صغر حجمها على فتح مشاريعهم بإيجاد تسهيلات كبيرة جدا لتحقيق أهدافهم وطموحهم والتزامهم بإيجاد فرص عمل للعاطلين من الشباب، والإيعاز للبنوك التجارية لمنح تسهيلات استثمارية غير مسبوقة لأبناء الشعب الأردني للقيام بدورهم في التكافل الاجتماعي من حيث فتح مشاريع جديدة صغيرة ومتوسطة وكبيرة تساهم في تحريك الركود الاقتصادي.
- وجاء في كتاب الرد الحكومي أن الحكومة "ستبادر بفتح كافة الملفات، المتعلقة بالفساد كوقائع أو شبهات، على الملأ، وبكل وضوح، ودون أي استثناء، فلا حصانة لمسؤول، ولا ملفات مغلقة، ولا حماية لفاسد أو متجاوز، وهذا يبقى في إطار الحديث المتكرر مع اختلاف الصيغة التي رتبت فيها الجمل هنا، مما يجعلنا نتلمس حرصا حكوميا على العمل الفعلي في هذا الاتجاه، وهو ما نرجوه.
الصورة العامة لما جاء عليها "رد الحكومة" اتسم بأنه سيعمل بسرعة لإنجاز شيء مما يتلمسه المواطن وتتسلمه "المعارضة السياسية"، وهذا يتطلب من الحكومة مزيدا من الحوار وجهدا أكبر تجاه تأمين الاستقرار الاجتماعي للمواطن الاردني تتلخص في نقاط محددة، هي:
أولا: فتح الحوار على مصراعيه مع كافة أطياف المجتمع والبدء بتنفيذ ما من شأنه إزالة الاحتقان الموجود عند الكثير من هذه الأطياف.
ثانيا: السرعة في إيجاد فرص عمل معقولة وفتح الباب للقطاع الخاص بتسهيلات استثمارية غير مسبوقة لتحرك الاقتصاد المراوح مكانه محليا.
ثالثا: التدخل في السوق والعمل على تخفيض الأسعار، حتى إن لزم الأمر زيادة عدد السلع الأساسية المدعومة عما هي عليه وإدخال أصناف جديدة تحقق للمواطن "الهدوء الجيبي" -إن جاز التعبير- بمعنى تأمين ما يعتبره المواطن أساسيات لحياة كريمة له ولأسرته، وبما لا يهدد دخله الشهري.
رابعا: عدم إشعار المواطن الأردني بأي تفريق بين موظف حكومي وآخر يعمل في قطاع خاص، وأن الكل تحت مظلة الدولة مصانة كرامته ومحفوظة حقوقه، وأن كل قطاع يكمل الآخر.
خامسا: اكتفى كتاب الرد بالإشارة الى ما جاء في كتاب التكليف، ولم يتطرق الى ما يمكن أن تقوم به الحكومة حيال قضايا أخرى صحية وثقافية ورياضية وقضايا أخرى، مما يعني احتمالين:
الأول: أن هناك برنامجا حكوميا ستتقدم به الحكومة لمجلس النواب لطرح الثقة فيها، قد تكون فيه تفصيلات أخرى.
الثاني: أن مهمة الحكومة محددة باتجاهات محددة فقط، وأنه غير مطلوب منها تغيير سياسات حكومية سابقة تجاه تلك القضايا.
وهذا ما ستكشفه الأشهر الثلاثة القادمة من عمل الحكومة وقبل الـ 100 يوم