على السدة

على السدة

في نظام المنازل القديمة ، لم يكن هناك منزلا يخلو من " السدة " الوضع الآن اختلف عن السابق ، فمفهوم السدة تم إلغاءه في نظام الشقق الحديثة .
لم تكن السدة في بيتنا بالنسبة لي مستودعا لصوبات الكاز وأكياس الملابس المخبأة للفصل القادم ، أو على حاجيات مهملة ولا يتم استعمالها وحسب.
ففي السدة كنت أخبأ باكيتات الدخان عن أنظار الأهل ، ورسائل صفاء الغرامية ، وعندما يتطلب الأمر عقابي على أمر فعلته كانت ملاذي ومخبأي الذي أهرب إليه.
أمس وعلى أثر الحاجة لملابس سارة الشتوية استدعى الأمر أن أرتقي إلى سدة المنزل ، ويبدو إني عدت بالعمر أو عاد بي لسنين طويلة قد مضت .
قلبت نظري في ثنايا وزوايا السدة ، كالعادة ثمة أكياس وشوالات من الملابس والأحذية مركونة في سباتها لفصل قادم ، وبعض جراكن للكاز ، ومهد سارة المفكفك ، في آخر السدة ركنت حقيبة دلت في ملامحها على العتق والقدم ورسم الزمن على محياها خيوطا بالية وباهته .
قربتها مني وفتحتها ، فوجدتها تحتوي على ألبومات لصور طفولتي ، يبدو أن الموضة قديما كانت تتطلب ارتداء الأطفال فساتين ، فهناك صور كثيرة لي أرتدي فيها ما يشبه الفساتين ، بعض الصور كنت فيها "مكحل العينين" وهناك صورة أحمل فيها باكيت شيبس ، صورة أخرى كنت أرتدي فيها زيا عسكريا برتبة عقيد ، أجمل صورة كانت تلك التي أرتدي فيها بدلة رسمية على بوط رياضي ، عندما رأيتها ضحكت من أعماقي فقد تذكرت وقتها إنني رفضت أن يتم تصويري إلا بعد أن أرش على نفسي عطرا ، سألوني وقتها لماذا ، فأخبرتهم " عشان يطلع العطر بالصورة ".
ما يميز كل تلك الصور : هو احتواءها على مشهد مكرر هو الضحكة البريئة الخارجة من الأعماق .
يبدو إني غبت طويلا عن الكتابة .... لكني عائد من جديد .... فقد غبت لأبحث عن ضحكتي وها أنا أخيرا أجدها على السدة .

المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com