ابو الحرايق ومشــــط الكبريت !

مجريات الاحداث من حيث الزمان وقعت في بداية العقد الثامن من القرن العشرين ومن حيث المكان دارت رحاهها ذهابا وايابا من ردهات مدرستنا الاعدادية الحبيبة المسماة على اسم معركة حطين الخالدة الى ازقة وحواري حي الغويرية الشهير في الزرقاء .
كنا في الصف الاول الاعدادي وبلغة اليوم يعادل الصف السابع الاساسي ... وكان الاستاذ يوسف -الله يسهل دربه ويفتحها بوجهه ويجزيه كل خير في الدنيا والاخرة – مدرس اللغة العربية له يعود الفضل الاول بمحبتنا للغة العربية وتذوقنا للشعر العربي ، كان الاستاذ يوسف يحرص دائماً على ان يتحدث اللغة العربية الفصيحة داخل وخارج غرفة الصف ... وحتى في حارات وشوارع الغويرية !. لدرجة انه كانت تقع بينه وبين الطلبة والمعلمين الكثير من المفارقات والمواقف التي تبعث على الضحك والتندر بين الطلبة والمعلمين
ابو الحرايق كان احد طلاب الصف ... وهذه الكنية تعود الطلاب والاساتذه وكذلك اخوته الخمسة واخواته الستة وامه وابوه ان ينادوه بها ... والاخ استسمى فاذا ناديته يوماً ... ايش ابوالحرايق ؟ يلتفت ويجيب على الفور نعم ، كان مشاكساً وعلى قولة الطلاب والمعلمين مشكلجي ... دايماً يدخل المدرسة يا مشحبر او ريحته دخنة وبجيبته مشط كبريت(ثلاث نجوم) ما يفارقه ... مثير للحرائق ... مؤذي ... لا يسلم من اذاه لا طالب ولا معلم ... حتى مرافق المدرسة يسيء لها ... وين ما فيه حريقه..خراب ديار ... هوشة ... تلاقي ابو الحرايق طرف فيها ان لم يكن هو السبب المباشر !.
ذات يوم كان الاستاذ يوسف يشرح لنا مطلع قصيدة مالك بن الريب : الا ليت شعري هل ابين ليلةً.... بجنب الغضا ازجي القلاص النواجيا.... وكان ابو الحرايق آخر الصف مشغول بمشط الكبريت يشعل عود كبريت ثم ينفخ عليه .... يناديه الاستاذ ... ابا الحرائق ..... فيجيب على الفور ... نعم استاذ ....... ما هي القلوص؟ .... يصفن ... يفكر ... والله يا استاذ ما بعرف ! وبشيء من الحدة يقول الاستاذ ... ما بتعرف !... دع الكبريت جانباً وانتبه تصير عارفاً ... ثم يسترسل ... القلاص مفردها قلوص وهي الناقة طويلة الارجل ... يلحظ ان ابو الحرايق رجع لمشط الكبريت ! ... يناديه بحدّة : ابا الحرائق .....يحيب : نعم استاذ .... يرد الاستاذ يوسف بلغة عربية : لا انعم الله عليك يا ابا الحرائق ... ما هي القلوص ؟ اجبني بسرعة ... يفتح الطالب فمه مشدوها ومشط الكبريت بيده ... آآآه ... ما بعرف يا استاذ ... هنا يشتط الاستاذ غضبا ... هآآآه ؟!... اهوآآآه ... تعال هنا ... اقترب على الفور يا ابا الحرائق ... اعطني علبة الثقاب يا لعين ويستل تلك العصا المبرومة والملبسة بقطعة بربيش خشن ... وينزل سلخ على يد ابو الحرايق ويصادر الكبريت وابو الحرايق يصيح ويليح وتختلط دموعه مع ريالته والسوائل الاخرى وتخرج من فمه شتيمة انتشرت تلك الايام في الغويرية .... فيشتطّ الاستاذ غضباً ... عليك لعنة الله ايّها الفاسد ... اذهب ولا ترني وجهك الا وقد احضرت وليّ امرك ... يخرج ابو الحرايق مغاضباّ ... بسيطة ... والله لاورجيـــك بالحلّه .... لحظات ويقرع الجرس انهاءً لحصة العربي وكانت اخر حصة .
غادرنا المدرسة طلبة ومعلمين ... والاستاذ يوسف يمشي واثق الخطوة في ازقة الغويرية واذا به يفاجأ بجيش عرمرم .... ابو الحرايق .... والعائلة بكامل عدتهم وعتادهم ... اشي معه عصا واشي حامل مكنسة واشي ساحبله حفاية وانهالوا على لاستاذ فاوسعوه ضرباً وشتماً وهو يصيح : تا اللهِ لأشتكينكم لأقرب مخفرِ شرطة! طبعاً الجماعة مو فاهمين عليه ... وكملوا عدوانهم الاثيم للآخر.
وفي حصة اللغة العربية التالية حضر الاستاذ وكان درس قواعد اللغة عن ادوات القسم فعددها : واللهِ ... وباللهِ ... وايم اللهِ ... ثم سكت برهة ... فقال احد الطلاب: وتا اللهِ يا استاذ .... فقال الاستاذ يوسف مبتسماً .... نعم ... انه لقسمٌ لو تعلمون عظيم .
اذكرها الآن بعد مرور الزمن واقول في نفسي ... شلّت يمينك يا ابا الحرائق ... وشلّت يمين امّ الحرائق واخو الحرائق واخت الحرائق وكل من يخفي بين جنبيه مشط كبريت ليحرق كل ما هو جميل في هذا الوطن .
صالح ابراهيم القلاب