ما بين مصر وتركيا

الحدث المصري يوم 3 يوليو واجه الكثير من النقد والرفض حيث تم تصنيفه لدى العديد من الاطراف على انه انقلاب عسكري لا يقبل التأويل ويأتي في مقدمتها موقف الاتحاد الافريقي الذي علق عضوية مصر في جميع اعماله والموقف التركي الذي ادان ما وصفه فورا بالانقلاب العسكري اما اطراف اخرى فبقي موقفها متذبذب على امل ان تركب الحصان الرابح مثل الموقف الامريكي والموقف الاوروبي لكنها كانت تميل الى الانتقاد باستحياء وتدعو الى العودة سريعا الى الحياة المدنية اما حكام العرب فجلهم كان مع الحدث وشذّ عن ذلك الموقف القطري خليجيا والموقف التونسي عربيا.
بين جميع هذه المواقف يبدو الموقف التركي هو الأقوى والأعلى صوتا اذ صدرت العديد من التصريحات التي لا تقبل الغمغمة او المساومة في رفض قاطع لما نتج عن الانقلاب من إدارة وما قامت به من اجراءات ولا مكان للمجاملات.
منذ سقوط دولة الخلافة(1924) رفعت تركيا شعار أنظر غربا وتنكر عسكرها لتراثها و محيطها وشعوب اقليمها وراحت تلهث وراء عضوية وبطاقة اوروبية باي ثمن وحاربت كل مظاهر الحياة الاسلامية وانسلخت من جلدها لعقود خلت لم تحظى فيها بالبطاقة الكاملة وايقنت أن دونها تنازلات لا حد لها.
تركيا أيضا عانت من الانقلابات وحكم العسكر لعقود وكان الجنرالات يمسكون بخيوط اللعبة ويحركون الدمى الراقصة على المسرح.
والحركة الاسلامية بدورها وفي بلد الخلافة تعرضت للكثير من القمع وتعرض زعمائها سابقا للإعدام لكنها بشجاعة منقطعة النظير وبذكاء لافت بقيت تتجاوز العقبات الى أن تربعت على رأس السلطة مزهوة بإنجازات وطنية وحظوة اسلامية.
اسوق ذلك لأقول أن دولة الخلافة بما مرت به من تجارب وبما تحمله من ذكريات وما تحظى به قيادتها إسلامية التوجه وقائدها اردوغان ونسبة لما يعانيه الاقليم من تفتت وانقسام على اسس مذهبية وايديولوجية اقول يبدو ان الزعامة تسعى برجليها الى تركيا وقائدها.
وبين مصر وتركيا تشابها من حيث عدد السكان والمساحة الضخمة لكن الفارق بينهما يبدو كبيرا في جميع المجالات اقتصاديا وعسكريا وفنيا وفي السياحة وفي معدل النمو ومعدل دخل الفرد كل ذلك طبعا في كفة الدولة التركية.
ويبدو اليوم ايضا أن رئيس وزراء تركيا يعيش أزهى أيامه في السلطة إذ تكرست شعبيته ليس وطنيا بل بين شعوب الاقليم نسبة لما اتخذه من مواقف جريئة في العديد من حرائق الاقليم.
الموقف التركي في الشأن المصري يثير الاهتمام حد الانبهار فمنذ 3 يوليو لا يتورع المسئولون الاتراك عن التصريح ضد ما حدث ورفض ما يصفوه بالانقلاب العسكري.
في تصريح للزعيم اردوغان يقول "لن نتعامل مع اي مسئول مصري يعينه العسكر ولن نعترف بإدارة اقامها الانقلاب و ما يصدر عنها من اجراءات"
طبعا لم يتحمل "الانقلابيون" في مصر حدة هذه التصريحات لتصل الأمور الى قطع العلاقات.
وفي احدث تصريحاته يقول بشجاعة "لن اكون شيطاناً اخرس ولن انافق احدا واهل الانقلاب الى زوال"
في نفس الليلة التي حدث فيها "التغيير" في مصر كتبت أن أحد السيناريوهات المتوقعة في مصر قد يكون النموذج التركي سابقا اي أن يمسك العسكر بخيوط اللعبة ويكون السياسيون مجرد دمى الى حين وهو ما يحدث اليوم في مصر إذ يبدو الساسة من رئيس و وزراء مجرد دمى حول الجنرالات ويسعى كبيرهم اليوم وراء حصانة تجعل منهم في حل من أية محاسبة أو مسئولية بل تجعل من الجيش دولة أهم من الدولة المصرية ذاتها.
لكن في النهاية هل تستطيع الدولة المصرية أن تخرج من هذه الأزمة وتعود الاطراف الى لغة الحوار البنّاء واللعبة الديمقراطية ويعود الجيش الى ثكناته ومهامه الدستورية لتعود ثقلاً اقليمياً بحجم ايران وتركيا اللذان يتقاسمان النفوذ اليوم بارتياح في منطقتنا العربية فضلاً عن تدخلات ما وراء الاقليم؟
منصور محمد هزايمة الدوحة - قطر