الحقـوق المدنيـة وأبنـاء قطـاع غـزة
لا يُنتقص من الهوية الوطنية، إذا ما إتسعت مساحتها الإنسانية، بل تصبح هوية مانعة وأكثر صلابة، وتصبح الهوية عنوانا جامعا لكل المكونات المنضوية تحتها، والأهم انها تُقفل باب التصيد الخارجي أو الطموح البشري الراغب بتحسين شروط حياته المعيشية المعلقة على شماعة الظرف الاقليمي وانتظار النهايات السعيدة لملفات شائكة وتسهم حكما بدفع عجلة الاصلاح وتطوير التشريعات دون انتظار نضوج الظرف الإقليمي .
ابرز الهويات التباسا هي الهوية الفلسطينية بحكم اللجوء والشتات بالمعنى القانوني رغم وضوحها القيَمي والانتمائي، فهي محمولة من أبناء فلسطين كهوية قانونية ونضالية، وهي هوية نضالية لكل شخص يسير مع عجلة الحق والتاريخ لاسترداد الوطن السليب، وتزداد قوتها ومنعتها كلما اتسع نطاق حامليها، عكس الهوية الوطنية للاقطار العربية، وبمعنى واضح فإن كل عربي فلسطيني والعكس ليس صحيحا طالما أن فلسطين الطبيعية محتلة او يجثم الاحتلال على جزء منها .
بحكم الجوار والتجاور والارتباط القانوني والإداري وقبل كل ذلك الارتباط النضالي والوطني والبشري، حملت الهوية الوطنية الاردنية تبعات القضية الفلسطينة بأعلى ما حملته الهوية الفلسطينية ربما، وبجزم دون لُبس، بأكثر مما حملته اية هوية وطنية عربية؛ ما فرّخ التباسات افقية وعمودية، وجعل التصيد حلما قابلا للتطبيق للكيان الصهيوني ولأحلافه الغربيين والداخليين على حد سواء، ومصاب بالعمى السياسي والوطني كل من تعجز عيناه عن رؤية ذلك .
وأسهم التضييق السياسي والمعيشي الممنهج على حملة الجنسية الفلسطينية سواء ممن يحملون وثائق سفر دول اللجوء او الجوازات المؤقتة في سعي المواطن الفلسطيني الى الحصول على جنسية بلد اللجوء، مستندا الى الاستثناء الذي حصل عليه لاجئو فلسطين من الامم المتحدة، والقاضي باستثناء اللاجئ الفلسطيني ممن يحمل بطاقة الاغاثة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من إسقاط صفة اللجوء عنه اذا ما حصل على جنسية بلد اللجوء، بالتالي فهو قادر على تحسين شروطه المعيشية وحمل صفة اللاجئ الفلسطيني وهذا واقع الامر عندهم، فالجنسية المعيشية لم تُسقط الهوية الوطنية الفلسطينية .
جامعة الدول العربية وفي قراراها المانع لازدواجية الجنسية العربية حمت الفلسطيني من جهة وظلمته من جهة ثانية او جهات عديدة، فهي تعترف بفلسطين دولة ولكنها لاتعترف بأي وثيقة لهذه الدولة منذ منظمة التحرير وحتى السلطة الوطنية الفلسطينية – بشروط اقل قساوة – ويتفهم اللاجئ حساسية القرار الاول بحكم الفصائلية والهاجس الأمني لكنه لا يتفهمها الآن، فالتضييق الممنهج على الجنسية الفلسطينية ما زال قائما وفي اكثر من بلد عربي بدرجات متفاوتة وتشهد على ذلك قاعات الترانزيت في المطارات وخطوط الطيران وظروف العمل والمعيشة ونقل الكفالة واستقدام الزوجة وتسجيل الأبناء ... الخ، وكلها ظروف جعلت من الحصول على جنسية بلد اللجوء او اية جنسية اخرى هدفا عند الفلسطيني لحياة كريمة .
في ضوء ما سبق، يصبح قرار الدولة الاردنية بمنح أبناء الأردنيات حقوقا مدنية قرارا صائبا ووطنيا، ولكنه بحاجة الى توسعة بإضافة ابناء قطاع غزة الذين يحملون الجوازات الاردنية المؤقتة، وبالمناسبة هذا متوافق عليه مع كل اطياف الحركة الوطنية الاردنية واذكر حوارا مع احد اركانها بأنه زاد على ذلك بنفسه، بأنه يدعم مشاركتهم في انتخابات المجالس البلدية وأمانة عمان؛ لأنها انتخابات خدمية وهم يتلقون الخدمة ويدفعون ثمنها ومن حقهم اختيار من يخدمهم .
القرار يمنح الهوية الوطنية الأردنية قيمة إنسانية مُضافة على انسانيتها ويمنحها صلابة في اقفال باب التجنيس والتوطين الذي بات فزّاعة يهددنا بها كل صهيوني صغير أو كبير وباتت تجد آذانا تسمعها وتتلقفها في الأردن بحق أو بمبالغة، كما انها تغلق باب السؤال عند الفلسطيني وتفتح له أبواب الكرامة الوطنية والمعيشة الفُضلى .