"سفرطاس" جامعي
أرفع القبّعة احتراماً إلى طلاب كلية الهندسة التكنولوجية "البوليتكنيك" الذين أطلقوا حملة "سندويشة أمي أزكى" احتجاجاً على ارتفاع أسعار الوجبات في كليّتهم..متمنياً أن يمضوا بحملتهم هذه حتى النهاية ، وان تعمم الفكرة على باقي طلاب الجامعات بأن يحضروا فعلاً "سندويشاتهم" ووجباتهم من بيوتهم لأنها أنظف وأفضل وأوفر...
عملت في دبي سبع سنوات ، لا أذكر أن المحاسب ولا السكرتيرة الهنديين قد اشتريا شيئاً من الخارج حتى لو كان "علك نعنع"، مجرّد دخولهم المكتب الساعة الثامنة صباحاً كل منهما كان يحمل "سفرطاساً" لامعاً.. يضعه تحت الطاولة إلى أن يحين موعد الإفطار أو موعد الغداء..
ولمن لا يعرف "السفرطاس "من جيل الشباب.. فهو مجموعة من أواني نحاسية أو ألمنيوم تتفاوت بحجمها كبيرة ثم أصغر ثم أصغر..أو عبارة عن أربعة أواني متساوية الحجم تركب فوق بعضها بعضاً بشكل عمودي كل إناء فيه نوع معين من الطعام ، أرز ، فاصولياء، خضار، دجاج ،خبز، سلطة ، لبن الخ..وبالمناسبة كلمة "سفرطاس" هي كلمة تركية ..مأخوذة عن العربية أصلاً : "طاسة السفر"..المهم كان الزميلان الهنديان يحملان "سفرطاسيهما" بكل فخر وثقة ويمدّان ويفلحان من أكل البيت الذي مهما كان بسيطاً ومتواضعاً أشهى وأنظف من أكل المطاعم والكافتيريات مئة مرة..
شخصياً، لم أخرج يوماً من بيتي دون إفطار فأول فعالية أقوم بها حتى قبل الكلام والسلام هو "الأكل" هكذا عودتني أمي أطال الله في عمرها منذ الصف الأول ابتدائي إلى آخر يوم في السنة الرابعة من الجامعة ثم سلّمت الراية و"العهدة" إلى زوجتي التي لم تخرجني يوم على "لحم بطني" حتى ولو بلفيفة زعتر أو نصف "مقدوسة"..
باختصار.. ما قام به طلاب الكلية الهندسية خطوة مهمّة لتغيير ثقافتنا الاتكالية على كل شيء..معظم طلاب الجامعات والمعاهد هم أولاد موظفين او عسكر أو فلاحين او أصحاب مهن بسيطة ..الدينار "اليومي" الذي يدفع لكافتيريا الجامعة من أجل سندويشة بحجم إصبع الخنصر..يفرق كثيراً مع ربّ الأسرة لأنه يشكّل 10% من راتبه الإجمالي.. صدقوني الحال من بعضه كنّا طلاباً وكنا نعرف ان القرش كان وما زال مغموساً بالدم ..و نعرف كيف يدبّر ولي الأمر القسط الجامعي بطلوع الروح..وكم تستهلك من دخله أجور المواصلات وثمن الكتب وتصوير "الدوسيهات"..طيب لماذا لا نغيّر سلوكنا ...أقصد، اذا استطعنا ان نوفّر لم لا؟؟ فأهلاً بــ"السفرطاس" الجامعي منذ اليوم...
"شباب البولتيكنيك عفية"..