السطر الأخير في منظومة النزاهة
في السطر الأخير من الخطة التنفيذية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية التي أعدتها اللجنة الملكية إلى جانب ميثاق النزاهة الوطنية، كتبت اللجنة وبخط عريض بارز العبارة التالية: "اعتبار الميثاق والخطة منهجا عابرا للحكومات وينبغي الالتزام به من جميع السلطات والإدارات في الدولة".تعكس هذه العبارة على ما يبدو قلق أعضاء اللجنة من أن يلقى مشروعهم الإصلاحي النهاية ذاتها التي لقيتها مشاريع إصلاحية من قبل؛ الأجندة الوطنية، ولجنة الحوار الوطني. العديد من أعضاء اللجنة الملكية كانوا أعضاء في اللجان سابقة الذكر، بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي د.عبدالله النسور، ورئيس مجلس الأعيان السابق طاهر المصري الذي ترأس لجنة الحوار الوطني. أما من تبقى من أعضاء فقد مروا تقريبا على كل اللجان التي تشكلت في العقد الأخير؛ كلنا الأردن والأردن أولا.التزام سلطات الدولة بمخرجات لجان الإصلاح كان على الدوام التحدي الأكبر في وجهها. وعندما تبنت لجنة الأجندة الوطنية فكرة الإلزامية ثار سجال طويل في أوساط السياسيين ورجال القانون حول دستورية المبدأ.لجنة النزاهة الوطنية تبدو غير متيقنة من قدرتها على فرض "السطر الأخير"، ولذلك ضمّنت الخطة التنفيذية نصا يدعو إلى "دراسة إمكانية التوصل إلى صيغة قانونية مناسبة لإعطاء الميثاق الصفة الإلزامية" ، وحددت الربع الأول من العام المقبل موعدا للتوصل لمثل هذه الصيغة.من الناحية الدستورية الأمر متروك لفقهاء الدستور للبت فيه، ومن بين أعضاء اللجنة خبراء في هذا المجال، أبرزهم الدكتور محمد الحموري أستاذ القانون الدستوري.لكن من الناحية السياسية، يمكن تجاوز العقدة، بأن تقوم الحكومة بعرض الخطة والميثاق على مجلس الأمة لمناقشتهما وإقرارهما كبرنامج عابر للحكومات. ويعزز هذه الخطوة تبني الوثيقتين من قبل المشاركين في المؤتمر الوطني المنوي عقده يوم السبت المقبل.محتوى الخطة التنفيذية المعد من قبل اللجنة الملكية يتسم بالواقعية في أهدافه، وهذا ما يمنحها فرصة النجاح في التطبيق، بعد مراجعة نصوصها وإدخال التعديلات المطلوبة عليها في المؤتمر الوطني وفي البرلمان. مشكلة اللجان الملكية السابقة أن مخرجاتها ظلت بلا سلطة تتبناها أو تحميها. مصيرها كان مرهونا بإرادة سياسية معلقة في الهواء؛ تغيب وتحضر تبعا لموازين القوى داخل مؤسسات الدولة.مخرجات لجنة النزاهة الوطنية ينبغي أن لا تُترك هكذا وإلا ستلقى مصير"الأجندة الوطنية" و"الحوار الوطني"، وربما يجد رئيسها د. عبدالله النسور نفسه في موقع وموقف مشابهين لمواقع ومواقف من سبقوه في تولي لجان إصلاحية كثيرة؛ أحمد عبيدات "الميثاق الوطني"، مروان المعشر"الأجندة الوطنية"، وطاهر المصري "الحوار الوطني".لقد كانت مشكلة هؤلاء في السطر الأخير الذي انتهى عنده تقرير لجنة النزاهة الوطنية؛ الميثاق الوطني تعثر بمعاهدة وادي عربة، والأجندة الوطنية اصطدمت بجدار المحافظين في الدولة، و"الحوار الوطني" تعرض للاغتيال على يد الحكومة.بدون غطاء من الشرعية لمخرجات لجنة النزاهة، سيكون السطر الأخير نهايتها.