«فراط حواكير»..

هي المساحات الوحيدة التي لم تدخلها بعد الأيادي الوافدة .. فيها يعقد المؤتمر السنوي لـ «لمّة» العائلة ،واجتماعها، وعملها المشترك، من طلاب مدارس وجامعات، ومتقاعدين وربّات بيوت وأشبال، وفيها تجلس العجايز على أكياس خيش وبأيديهن «المسابح» تماماً مثل الحكم الرابع في مباريات كرة القدم .. يراقبن الأداء ويؤكدن على ضرورة السلامة العامة بين الفينة والأخرى .. فيطلقن عبارة: «هي ولك لا تقع على عصّك نبتلي فيك ساعة هالمسا»..»هي ولك هي..طيح جاي وخلي بالنا هادي» تتبعها برمي الفتى بحصوة صغيرة غير مؤذية ... وتقال مثل هذه العبارات للأولاد الأكثر شقاوة وأقل إنتاجا بين الأحفاد...

هناك في الحواكير فقط تختلط أصوات الأطفال بأصوات الأمهات والشباب بأصوات البنات ، والحَبّ وهو يسقط في جوف العلب الفارغة، بصوت نقل البراميل من شجرة إلى شجرة بصوت «تطبيل» مبتدىء على قفا «علبة توفي» يمارسه أحد الأطفال الذين ليسوا «للهدّة ولا للسدّة»..هناك تعرف طعم كأس الشاي عندما يأتي متأخراً.. وتعرف «الكوب» الخاص بك من بين كل الأكواب «المدحولة» على بصمة الإبهام الملوّنة بالزيت والغبار وبصمّة الشفة الجافّة..
في «فراط الحواكير» ، هناك حقائق تظهر موسمية ثم ننساها..مثلاً:
حتى لا تشعر بالملل وقلة الانجاز، وحتى يحسّ الرفاق أنك نشيط وتورّد حمولتك سريعاً ، اتخذ من «تنكة الغزال» أداتك في الجمع .. واياك التورّط بالعلب الكبيرة والعميقة مثل دلاء الرايب 4 كيلو أو الدهانات الزيتي لأنها تحتاج الى نصف نهار حتى تمتلىء..
ابتعد عن زيتون «الخرز» وعندما تداهمك شجرة ذات حبٍّ صغير ،غض الطرف وانتقل إلى شجرة ذات حبِّ مكتنز لأن فراط زيتون «الخرز»..مثل الاهتمام بمذكرات مجلس النواب (يضيّع وقتك، ويحمّ بالك..ولا تجني منه أي فائدة تذكر).. في «فراط الحواكير» تكتشف كذلك شخصية «ميصعجي العيلة»..ما ان يبدأ الجميع بالعمل الجاد، والفراط الحقيقي ..حتى تجده قد وضع التنكة جانباً و انسلّ مختفياً دون ان شعر به أحد ...على فكرة «ميصعجي العيلة» هناك من يشبله شبيه آخر في في الشأن السياسي حيث يسمى «ميصعجي الوطن» ... في «فراط الحواكير» فقط.. تذكّرك الأشياء المهملة والمنسية بمناسبات مهمة وخالدة ..»الفطبول الممزوع» بفعل فاعل و المرمي تحت الزيتونة الكبيرة.. يذكّرك بموجة غضبك من نتائج التوجيهي الفصل الأول / العام الماضي عندما أكمل «شلاش» بالفيزياء والرياضيات فقمت «بشقّ» فطبول إخوته الصغار متهماً إياهم بالتشويش على المذكور أعلاه..عظمة الفكّ الأسفل لخروف «استرالي» والمرمية تحت الشجرة الشرقية .. تذكّرك بطهور «حمودة» الذي جرى في ربيع 2013...فردة حفاية نسواني لون بنفسجي نمرة 38 ..نعم، هذه تم فقدانها يوم اطلقتها على «عايش» المتواري بين الأشجار عندما رفض شراء دلو رايب يوم عزيمة أخواله...»ِشقفة بلاطة» ، لا..يبدو أنها تابعة لمناورة عادية ضد القطط في شهر شباط الماضي..
عند الغروب تُحلّ البلايز عن الخصور ،وتخلع الطواقي عن الرؤوس المصّلعة ،ويترك التنك وحيداً يتنفس ريح الغروب في جوفه اللامع ويتدحرج من مرتفع الى منخفض..تضاء الدار من جديد بعودتهم ..تحمل «دلاوة» الأمنشن بحمولة المساء ..توضع على الميزان، يتم الانحناء قليلاً لقراء الرقم .. 13 كيلو؟؟..شيل كيلو الدلو الفاضي بيظل 12 كيلو!!...ثم يدلق على كوم الزيتون الذي يحمل ألوان العلم..احمر ،أسود وأخضر...قديش صارن 92.5 كيلو..نعمة كريم..ينكّت الجميع ثيابهم من أنفاس الشجر المتعبة وغبار الوقت..يعودون الى غرفهم ، يحصون جروحهم الجميلة على مرايا الحمام..يدهنون خدوشهم بـــ»الفازلين» والنيفيا..ثم يفتحون «اللاب توبّات» ليغيبوا في غياهب التنكولوجيا من جديد..