الكرامات للأولياء ... والبرامج للحكماء ..!

ليس منا من يستطيع ان ينكر ان جزءاً كبيرا من الشعب الاردني الطيب بات يعيش بوضع اقتصادي لا يحسده عليه لا عدو ولا صديق وليس منا من ينكر ان هذا الوطن الغالي يعاني عجزاً اصبح مزمناً سواء في ميزان المدفوعات او الميزان التجاري وان حكومة المملكة الاردنية الهاشمية تعاني من عجزمستمر في الموازنة ومن تراكم للديون بشكل بات يدعوا للقلق .
لا اعتقد ان هناك اي خلاف على ما يعانيه هذا الوطن الغالي من مشاكل واضحة اضحت تشكل معضلة تستعصي على الحكومات المتعاقبة ولكني ادعي ان هنالك خلاف بل خلافات على الاسباب التي ادت بمؤسسات هذا الوطن على اختلافها وكثرتها للوقوف شبه عاجزة عن تحديد وتشخيص الاسباب الحقيقية لما يعانيه الاردن من مشاكل اقتصادية وما يترتب عليها في المجال الاجتماعي والسياسي وبالتالي فهي تقف شبه عاجزة ايضا عن بلورة وتصميم برامج فعالة تعمل على تذليل العقبات وحل المشكلات وهذا امرٌ طبيعي طالما انه لا يوجد اتفاق او تصور واضح للاسباب الرئسية والحقيقية للمشكلة .
(وقل اعملوا...) ... (واعدوا لهم ماستطعتم من قوة) ...اياتٌ عظامٌ من كتابنا الكريم اسست وتؤسس للعمل التنفيذي المبني على الفعل لا على القول وعلى الجماعة لا على الفرد ...(..وامرهم شورى بينهم ) ... (...يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ..) .. اياتٌ تؤسس للعمل التشريعي والرقابي القائم على الجماعة لا على الفرد ... امراً بالمعروف ونهياً عن المنكر لتحقيق الصالح العام للمجتمع الذي ما اوجد الحكومات وابتكرها الا لتحقيقه ، فالحكومة انموذجٌ مصغّر انبثق عن المجتمع ترافقه سلطة تنفيذية وهي مظهرٌ من مظاهر سيادة الشعب والمجلس التشريعي انموذجٌ مصغّر انبثق عن المجتمع ترافقه سلطة تشريع ورقابة وهي مظهر من مظاهر سيادة الشعب ... جماعاتٌ صغيرة متجانسة تمارس السلطة برشاقة وتنظيم لمصلحة و باسم جماعةٌ اكبر هي الشعب .
ادّعي ان المتابع للعملية السياسية وتداول السلطة على مدى ما يقرب من عقدين من الزمن سيلحظ ان هناك علاقة ما تربط ما بين الالية التي تسير بها العملية السياسية وتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمقصود هنا ان من مارس السلطة بمختلف مظاهرها انما مارسها من منطلقات شخصية وبجهود فردية بعيدة عن المشاركة والعمل الجماعي المبني على برامج واقعية مدروسة يتم تنفيذها عن طريق فريق عمل متجانس الافكار والمبادىء والتطلعات يمتلك زمام المبادرة واتخاذ القرار تحت رقابة جماعية يمكن ان تسمى معارضة او حكومة ظل او ... اقلية حزبية لا خلاف المهم ان يشكل كل من : من يمتلك القرار الرسمي ومن يراقب ويعارض فريق عمل متجانس متعاون يقوم على مبادىء ورؤى واضحة ومؤطرة يمكن قياسها وترجمتها الى برامج والمحاسبة والمساءلة عنها بالطرق والقنوات الدستورية السليمة .
الشخصنة ... مرضٌ ادعي انه يعاني منه العمل العام في الاردن سواء في المجال السياسي بشقيه البرلماني والتنفيذي او المجال الاداري والاقتصادي والاجتماعي ... المطلوب ان يستمر هذا الوطن بصعود درجات السلّم نحو دولة المؤسسات وسيادة القانون .... وان لا نزحف حبواً في مجال الاصلاح بكل المجالات وفي مقدمتها الحكومات البرلمانية التي تتطلب نظاماً انتخابياً يفعّل سيادة الشعب ويفعّل ايضا روح التعاون والعمل البرامجي والفريق المتجانس لانه بخلاف ذلك سنبقى ندور في دوامة ... تسلّم ابو فلان فبنى جداراً وذهب فجاء ابو علان هدم الجدار واعاد البناء من جديد ثم ذهب وجاء غيره والحائط يبنى اليوم ويهدم غداً ولن يكتمل البناء يوماً .
الشخصنة !... مرضٌ عضال ... اعاذ الله هذا الوطن الغالي منه ومن اعراضه ومضاعفاته ... شخصنة من يمتلك زمام القرار ولسان حاله يقول ... لا اريكم الا ما ارى ... وشخصنة من يراقب ويحاسب ويعارض يوم يجلس على كرسي المعارضة فيشبع الوطن صراخاً وصياحًا وشتماً للفساد والفاسدين وشجبا للغلاء ورفع الاسعار وتنظيراً على المنابر وفي الصالونات المنتشرة هنا وهناك واذا حصل بقدرة قادرٍ ان امتلك زمام القرار .... انقلب راسا على عقب ... !
يحكى ان جحا ادعى يوماً انه من الاولياء ... فقال له الناس ما كرامتك؟! فلكل وليٍّ كرامة !فقال اني آمر كل شجرة فتجيء لي وتطيعني ..! فقالوا له : قل لهذه النخلة ان تجيء اليك ...فقال : تعالي ايتها النخلة ... فلم تجيء ... فكرر تعالي ايتها النخلة .... فلم تجيء وكرر مرة اخرى فلم تجيء ... ثم قام ومشى تجاه النخلة ...فقال الناس : الى اين يا جحا ؟... فقال : ان الاولياء ليس عندهم كبرٌ وغرور فان لم تحضر النخلة الي فانا اذهب اليها !.... هذا في مجال الكرامات والاولياء اما في مجال ادارة الاوطان وسياسة الشعوب .... فما هكذا تورد الابل !

صالح ابراهيم القلاب