قرآءة في المسالتين الكروية والمائية


في غمرة انشغال"الجميع" بتوقعات "موقعة ستاد عمان الدولي"وتحليل ما آلت اليه من نتيجة فوق المتوقعة،وما تلاها من اطلاق حملة نكات غير مالوفة،بالموازة مع تفاقم الاوضاع الكارثية في العالم العربي و تسارع الاحداث المؤلمة.نسي"الجميع" مشكلة المشكلات التي تهدد وجودهم،وتخلخل سلمهم الاهلي.مشكلة نقص المياه.فقطرة الماء رغم صغر حجمها،اصبحت هي المفردة الاهم والمشكلة الاكبر في بلادنا. نظرة خاطفة تلاحظ ازدياد مساحة الجفاف،وتقدم الزحف الصحراوي الذي اخذ يجتاح الغابات و ياتي على البقية الباقية من المساحة الخضراء،مما يدل بالقطع على ان سكوت الانظمة العربية على الازمة المائية يكشف قصورها، ويفضح فشلها في مواجهة اخطر مشكلاتها.

*** ميّز الفلاسفة الانسان عن غيره من الحيوانات بانه "حيوان ناطق" بينما ذهب فريق آخر الى وصفه بانه "حيوان ضاحك"، لكن علماء المستقبل نعتوه بـ "الانسان المتوقع" حيث ان تركيبة الانسان العقلية تجعله مهيأً لاستشراف المستقبل و توقع ما يحدث في قابل الايام. في"لعبة النشامى" انخرط الكل في لعبة التوقعات و التحليل الرياضي ابتداءً من المحلل الرياضي الى الباحث الاجتماعي وما بينهما من بائع ترمس وعامل باطون وسائق سرفيس وربة منزل وخطيب مسجد،ومع الاحترام المطلق للناس كافة الا انهم جميعاً اخفقوا في "التوقعات" البعيدة عن الواقع التي لخصها الدكتور النفسي محمد الحباشنة:"ان المجتمع الاردني يعيش حالة احباط،لذلك فانه دائم البحث عن "مورفينات"،ثم جاءت الخسارة كانها ايقاف للجرعة،فظهرت ردات الفعل الغاضبة والخاطئة.

*** التطلع لمستقبل واعد يتطلب ذهنية متفتحة لاقتحام الحُجب،وسبر اغوار الحقيقة، والتهيؤ لقبولها والاعتراف بها رغم مرارتها احياناً،ونبذ التواكلية ومحاربة الافكار الموهومة وعدم تحميل الاخر الاخطاء والهزائم. ما جرى في المسالة الكروية العربية مثالا على ما نحن فيه و عليه.تونس خسرت برباعية امام الكاميرون،وخسرت الاردن بخماسية امام الاروغواي،بينما خسرت مصر المحروسة بسداسية امام غانا. نتائج مهينة لايمكن انكارها،لكن الخسارة الاكبر كان في التحليلات الساذجة احياناً و المضحكة احياناً اخرى كاتهام الربيع العربي و الارض المبلولة والمدرب.هزيمة المنتخبات العربية هي جزء لا ينفصل عن هزيمة الامة على كافة الصُعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتعليمية و المائية.فالرياضة كما غيرها يجب بناء توقعاتها على سياقات عقلية ومنطقية وليس على امنيات او رغبات.

*** بعيداً عن الكلمات الصاخبة،وصراخ الملاعب،والعواطف الجياشة سريعة الاشتعال،سريعة الانطفاء فاننا نعيش في الاردن بخاصة والعالم العربي بعامة ازمة مياه قاتلة،هي الجديرة بالاهتمام والحشد و الاولوية. ازمة مرفوقة بتغييرات مناخية حادة،زحف صحراوي لا يتوقف،جفاف انهار،نضوب ينابيع،عبث في مصادر المياه.وان لم نبادر لتدارك المشكلة، فان مدننا العامرة ستتحول الى خراب في ظل ارتفاع درجة حرارة الارض،وحرب "الجوع" الداخلية ومؤامرة "التعطيش" الخارجية.

*** تسعة عشر دولة عربية من اصل "22" دولة تقع تحت خط الفقر المائي، فيما تعاني "14" دولة من نقص ماء لا يكفي ماؤها تغطية احتياجاتها الاساسية.الاسوأ ان دول الجوار تتحكم بـ "85 %" من مصادرنا المائية.اسرائيل تمسك بمياه دول الطوق التي تحيط بها:اليرموك،الاردن،الليطاني،الحصباني،الوزان،جبل الشيخ،الجولان،هضبة شبعا،المياه الجوفية في فلسطين المحتلة والقطاع.هذه الاسرائيل قامت ايضاً بمساعدة اثيوبيا في بناء ثلاثة سدود على منابع نهر النيل احد انهار الجنة،فحجزت مياه النيل عن "مصر هبة النيل".تركيا هي الاخرى اقامت "ستة" سدود على دجلة و"سبعة" على الفرات نهر الجنة الاخر. قال رسول الله صلوات الله عليه " سيحان و جيحان والفرات والنيل كلٌ من انهار الجنة".

*** نهر الاردن المقدس الذي تعّمد فيه سيدنا المسيح ـ المغطس ـ تعرض كذلك لابشع انواع الاعتداءات والتلويث الاسرائيلي.اما ايران فقد غيّرت وجهة ثلاثة انهار هي "الكارون،ديالى،الوند"الذاهبة للاراضي العراقية الى الداخل الايراني وحرمت سكان تلك المناطق من مياه الشرب والزراعة .انهارنا العظيمة تتحكم بها اسرائيل وتركيا و ايران،وانضمت اليهم اثيوبيا مما ادى لتراجع حصة الفرد الى "600" متر مكعب سنوياً، ويتوقع ان يبلغ العجز المائي في الوطن العربي خلال الـ "20" عاما اكثر من "250" مليار متر مكعب.

*** الفزع الاكبر،جاء مؤخراً من الدراسة المائية التي نشرها الباحث المائي " براهما تشيلاني" في مجلة شؤون عالمية الشهيرة، حيث اكدت الدراسة بان عدد "لاجئو الماء" سيبلغ المائة مليون في منتصف هذا القرن،فيما سيعاني ثلثا سكان الكرة الارضية من ازمة مياه خانقة خلال الـ"10" سنوات المقبلة.اهم ما في دراسة "تشيلاني" توقعاته بان صنعاء العاصمة اليمنية سيضربها الجفاف قريبا جداً،وان امارة ابوظبي ستتحول الى غبار،و اطرف ما فيها انها عزت نشوب ثورات الربيع العربي الى ندرة الماء.فارتفاع الاسعار جاء بسبب شح الماء،الامر الذي فجّر ثورات بعضها كان دموياً، ـ أي ان قطرة الماء ـ اسقطت بعض الحكام العرب الديكتاتوريين ممن لم تستطع شعوبهم اسقاطهم عبر نضالات طويلة.

*** العجيب اصرار العربان على تفسير"الماء بعد الجهد بالماءِ". الاعجب،ما فعلته "شتوة صيفية" قبل ايام من اغراق لعواصم عربية.سحابة عابرة اغرقت بغداد والرياض وقطّعت اوصال لبنان، وبالامس شردت "15" عائلة في عمان وسحبت مقتنياتهم .شتوة هي اقرب للمزحة عطلت الحياة،وغمرت المنازل وجرفت السيارات،و اغلقت المدارس. المفارقة المذهلة اننا امة صحراوية تحتاج لقطرة ماء،و بدلاً من استثمارها فاننا نغرق فيها."معادلة عبقرية" لا يمكن تحضيرها الا في المختبرات العربية.

*** قال الله تعالى"ومن يؤت الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيراً". اذاً فمن الحكمة، الاعتراف باننا ضيّعنا امسنا، و اهدرنا يومنا،ولا نملك غير غدنا كما يقول الفيلسوف "فيختة" ابو القومية الالمانية ولاجل ضمان تحسين الغد يجب بذل اقصى الطاقات".و لن يتم امتلاك الغد الا بالعقل والعمل وبناء الاستراتيجيات المُحكمة ،ورسم الخطط المستقبلية، بعيداً عن الاماني، ومن دون ضجيج ملاعب او فزعات عرب،لان الحصان الهزيل لا يصلح لحرب او سلم ولا ينفع حتى للحراثة،مصداقاً للحكمة القائلة : "لا ينفع العليق عند الغارة" لا في الرياضة ولا في الازمة المائية التي ستحيل عالمنا العربي عما قريب "ان بقيت حالتنا على هذي الحالة" الى ارض يباب وديار خراب .