لماذا أغلق الأردن أبوابه في وجه حماس؟!

كان متوقعا زيارة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إلى الأردن خلال شهر رمضان الفائت، ثم تأجلت الزيارة إلى ما بعد العيد آنذاك، موعد تلو موعد، ولا زيارة تتم فعليا.
مشعل يستمع للوعود بقرب الزيارة، وتأجيلها كل مرة كان يجرى لاعتبارات مختلفة.
منذ ذلك الوقت مازال مشعل ينتظر زيارته الى الاردن، وهي زيارة -على ما يبدو- باتت مؤجلة إلى إشعار آخر، وسط صمت من الجانبين، حماس والأردن، ولا أحد منهما يريد البوح بالسر.
علاقة الأردن مع حركة حماس خضعت لتقلبات كثيرة، ورغم مؤشرات الانفتاح التي رأيناها خلال العامين الفائتين عبر أكثر من زيارة لمشعل الى الأردن، إلا أن العلاقة عادت الى برودها القديم، في ظل حاضنة قطرية، تترك ظلالها السياسية أيضا على الحركة.
الواضح أن تراجعات الإخوان المسلمين في مصر لعبت دورا بإعادة تبريد العلاقة من جانب الأردن، الذي اتخذ قرارا مع حلفاء إقليميين، لحصر مساحة الإخوان المسلمين في المنطقة، بما في ذلك حركة حماس، التي تعد ابنة شرعية للجماعة.
هذا يعني أن الانفتاح على حماس لم يكن مرتبطا بتغيرات جذرية في مركز القرار في الأردن، بقدر كونه متأثرا بالمد السياسي الإقليمي للجماعة الحاضنة، وهو مد لم يكن ممكنا لدى كثيرين مقاومته، بقدر التعامل مع نتائجه في فترة من الفترات، وهذا يفسر في النهاية، عودة العلاقة الى سابق عهدها بعد التغيرات التي طرأت على قوة الجماعة في دول كثيرة، فالحب والغزل هنا مؤقتان ولهما دور وظيفي فقط.
حركة حماس تعاني من ضعف كبير هذه الأيام، فقد خرجت من المحور الإيراني السوري، وفي ذات الوقت، لم يتمكن محورها المتمثل بالجماعة وتركيا وحكم الرئيس مرسي وبقية الحلفاء، من الصمود مطولا في وجه مطارق الحرب التي تم شنها على هذا المحور.
المحور العربي الثالث الذي يسمى مجازا بالدول العربية المعتدلة الكبرى، لا يمنح أساسا أي مساحة عميقة لحركة حماس.
هذا يعني أن إحدى القراءات السياسية لواقع الحركة يتأتى من كونها باتت ضعيفة جدا، فلماذا يمنحها الاردن أي ورقة أو مساحة عوضا عن المساحات المفقودة، وواقع الحال يقول من جهة أخرى إن الورقة الوحيدة التي ما زالت متبقية بيد حركة حماس، أي ورقة الميدان العسكري، عبر غزة ونقاط أخرى، وهذه بؤر قابلة لإعادة الإشعال اقليميا؟!.
حماس لن تكون قادرة ببساطة على التفريط بدورها في غزة، واشعال المنطقة، في سياقات السعي لاستعادة المساحات السياسية، بخاصة أن خريطة الحلفاء مبعثرة، والحليف المصري قد لا يبدو متوافرا هذه الأيام، وهو أهم حليف على الصعيدين الجغرافي والسياسي بالنسبة لحماس وتموضعها في غزة، وورقة الميدان العسكري مكلفة على ذات حماس بهذا المعنى.
زيارات خالد مشعل ورفاقه الى الأردن كانت تعبر من جهة عن حسابات اردنية مؤقتة، في سياق ما يجري في المنطقة والاقليم، لهذا ليس غريبا ان تبدو العلاقة من جديد هشة وضعيفة، دون جاذبية، لأن أسس التقارب لم تبن على أساس مباشر، بقدر كونها على صلة بمعسكرات المنطقة وتحالفاتها التي أعيدت بعثرتها مجددا، ودفعت حماس ثمنا كبيرا جراء اعادة الترتيب في هذه المنطقة.
لا ننسى هنا اعتراضات السلطة الوطنية الفلسطينية غير المعلنة على تقارب الأردن وحماس خلال الفترة الماضية، والسلطة كانت تتلقى تطمينات من عمان، بأنه لا نية لأي استبدالات في خريطة الحلفاء، وأن كل القصة لا تتجاوز التجاوب مع مستجدات المرحلة، ولغايات تكتيكية.
الثابت في مركز القرار في الأردن، أن حركة حماس باتت في اضعف حالاتها، وأنه لا شيء يدفع باتجاه مواصلة الانفتاح عليها، فيما الحركة تشعر بتحسس كبير جراء الانقلابات في العلاقة وعدم ثباتها على وتيرة واحدة، وعنوان التمتع السياسي المؤقت بين الطرفين كان هو الغالب.
جاء مشعل الى عمان أو لم يأت، فإن المؤكد أن العلاقة لن تكون استراتيجية وثابتة، إلا في سياق صفقة اقليمية كبرى، ستؤدي بالضرورة الى إعادة تأهيل حماس، باعتبارها لاعبا سياسيا، فقط، مثل أي لاعب، تكون مهمته الوحيدة مباركة بوصلة المنطقة، لا معاندتها، وهذا أمر مكلف جدا على حماس وبناها الداخلية.
ليست حماس وحدها التي تدفع كلفة الاضطراب في المنطقة، إذ أن كل المنطقة تغفو على حال وتصحو على حال، ولا ثابت إلا الثابت.