عن أي إصلاح تتحدثون؟ (3-1)
بمجرد الاطلاع على قيمة موازنة العام 2014، وحجم الإنفاق الحكومي، نكتشف أن الحديث عن الإصلاح المالي مجرد كلام وقرارات صعبة فقط، لم تنعكسْ على الخطة المالية للحكومة في العام المقبل.المنطق يفرض أن تؤدي الخطوات التي اتخذتها الحكومة منذ نهاية العام 2012 خصوصا ما يتعلق ببند دعم المحروقات، إلى تخفيض حجم موازنة العام المقبل لا زيادته كما هو الحال اليوم، بهدف الرجوع إلى حجم موازنة ينسجم مع الإمكانيات المحلية ويؤسس بشكل صحيح لفكرة الاعتماد على الذات.منذ العام 2003 كان التوسع في الإنفاق سببا لكل ما يعانيه الاقتصاد من مشاكل في المالية العامة، خصوصا العجز والدَّيْن، والظاهر أن وزير المالية د. أمية طوقان لم يلتقط المسألة، وهو ماض في زيادة حجم الإنفاق، دون أدنى محاولة من أجل عكس الأثر المالي لقرارات الإصلاح على الموازنة.موازنة 2014 تفشي السر، وتؤكد أن كل شعارات الإصلاح والجراحات الصعبة التي دفع المجتمع كلفها القاسية لإنقاذ الوضع ووقف النزف، لم تحسّن الوضع، وندرك أن الدواء المر الذي وصفه الطبيب لم يخففْ من أعراض المرض بعد سنة صعبة، إذ ما يزال الإنفاق توسعيا ولا يأخذ بالاعتبار الموارد المحلية المحدودة.بالأرقام، يظهر أن قرارات الإصلاح الاقتصادي الصعبة، لم تغير الحال، ولم تأتِ بجديد، ولم تنعكسْ بشكل حقيقي على إصلاح التشوهات التي يعاني منها الإنفاق العام، كما أنّ الثمن الثقيل الذي دفعه المواطن لم يساعدْ في البدء بإصلاح مالي يسير بالبلد إلى الاتجاه الصحيح خلال السنوات المقبلة.بالتفصيل، اتخذت الحكومة قرارات بتحرير المحروقات التي تقول إنها كانت تكلّفها 800 مليون دينار سنويا، وبعد قرار التحرير يفترض أنها وفّرت 500 مليون دينار، ورصدت مبلغ 300 مليون للدعم النقدي، ما يعني انخفاض النفقات 500 مليون دينار الحكومة.للأسف، هندسة الموازنة أغفلت الحقيقة السابقة، إذ زاد الإنفاق ولم ينخفضْ كما هو متوقع في العام 2014، وسيبلغ 8.096 مليار دينار صعودا من 7.1 مليار دينار خلال العام 2013، ما يوجب تقديم تفسير واضح كيف يزيد حجم الموازنة بحوالي المليار دينار العام المقبل بعد كل الخطوات التصحيحية؟القفزة الكبيرة في حجم الإنفاق خطيئة جديدة تُرتكب، إذ كيف يستوي أن ينخفض الإنفاق على الدعم، فيما يستمر حجم الموازنة بالنمو، وما هي البنود التي زاد فيها الإنفاق لدرجة تبخّرت معها كل آثار القرارات الصعبة؟ثمة مؤشر آخر يقود إلى النتيجة ذاتها، يتعلق بالإيرادات المحلية التي تقول الأرقام إنها سترتفع خلال 2014 بمقدار 605 ملايين دينار بنسبة 11.5 % خلال العام المقبل، والتي يلزم منذ الآن توضيح قنوات تحصيلها.الزيادة مبررة لو أن زيادة الإيراد والأموال الموفرة من ضبط نفقات توجهت للإنفاق الرأسمالي، لكن الأرقام الرسمية تظهر أن حجم هذا البند يراوح مكانه، وأن فرص تحقيق الإصلاح المطلوب تبقى غائبة في ظل مثل موازنة وضعها مختصون لم يدركوا عِبر ودروس تجارب الماضي.ما يثبت النظرية أيضا عدم تراجع قيمة العجز كقيمة مطلقة، في ظل تراجع النفقات وزيادة الإيرادات، ما يعني أن حكومة د. عبد الله النسور كغيرها لا تتقن من الإصلاح إلا إزالة التشوهات المتعلقة بسياسة الدعم، وإلا كيف تفسر أرقام موازنة 2014 التي تؤكد بدون شك أننا ما نزال نسير بالاتجاه الخاطئ!